في ظل النقص الحاد في أعداد جنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، والذي يقدَّر بنحو عشرة آلاف جندي، أصدرت مديرية القوى البشرية أمرًا طارئًا يعرف بـ"أمر 77"، يمدد خدمة الاحتياط لأربعة أشهر إضافية تحت حالة طوارئ مفتوحة، دون المرور بتشريع دائم، ويأتي هذا القرار كاستجابة مؤقتة لأزمة متفاقمة في القوى البشرية بسبب الحرب المستمرة منذ أشهر في غزة والضفة والشمال.
كما ترفض الحكومة الإسرائيلية الاستجابة لمطالب الجيش بتمديد الخدمة النظامية إلى ثلاث سنوات، في ظل ضغوط سياسية من الأحزاب الدينية، وعلى رأسها الحريديم الذين يصرون على الإبقاء على إعفاءاتهم. هذه الديناميكية كشفت عن انقسام داخلي بين المؤسستين العسكرية والسياسية، حيث تسعى الأولى لتلبية متطلبات الجبهة القتالية، فيما تضع الثانية اعتبارات الائتلافات الحزبية فوق الضرورات الأمنية.
انعكس الأمر على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، إذ أبدت شرائح واسعة من الجنود والمجتمع المدني علامات تململ، بل ورفض أحيانًا للاستمرار في الخدمة، ما ينذر بتآكل الدعم الشعبي وتهديد التماسك المجتمعي. كما أظهرت تقارير متعددة أن الضغط المتزايد على الاحتياط أدى إلى حالة من الإرهاق البدني والنفسي، وأضعف الجاهزية القتالية، وعمّق الأزمة التشغيلية.
أمام هذا المشهد، يُعدّ أمر 77 فرصة للفلسطينيين لاستثمار هذا الانكشاف الإسرائيلي عبر تحركات دبلوماسية تُبرز حالة الاستنزاف، وتربطها باتهامات بجرائم الحرب في غزة، إلى جانب حملات إعلامية تسلط الضوء على أزمة التجنيد الإجباري. كما يمكن توظيف هذه الأزمة في توحيد الصف الفلسطيني من خلال التأكيد على أن هشاشة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ناتجة عن انقساماتها الداخلية، وليس عن قوة خارجية. إن استثمار هذه الثغرة بذكاء، سواء في المحافل الدولية أو عبر الساحة المحلية، يعزز من قدرة الفلسطينيين على خلق ضغط سياسي وقانوني على إسرائيل، ويدعم الرواية الفلسطينية التي تركز على كلفة الاحتلال وبشريته المهترئة. بذلك يتحول أمر 77 من إجراء عسكري طارئ إلى مدخل استراتيجي يمكن للفلسطينيين توظيفه لتحقيق مكاسب سياسية وأمنية ملموسة.