آثار جريمة الحرب باستهداف المستشفيات والكادر الصحي في قطاع غزة خلال العدوان الإسرائيلي 2023-2025
18 Apr 2025

المقدمة

تُعتبر حماية المستشفيات والكوادر الطبية من أهم المبادئ التي يكفلها القانون الدولي الإنساني؛ إذ تُعدُّ هذه المنشآت ملاذًا آمنًا لتقديم الرعاية الطبية للجرحى والمرضى خلال النزاعات المسلحة إلا أن الواقع المفروض في قطاع غزة يشهد تكرارًا لأعمال الاستهداف المباشر وغير المباشر لتلك المنشآت والكوادر، مما يؤدي إلى انهيار قطاع صحي بأكمله وبث أمل الاستمرار في المجتمع الفلسطيني.

شهد قطاع غزة خلال العدوان الإسرائيلي بعد السابع من أكتوبر2023م استهدافًا ممنهجًا للمستشفيات، حيث أظهرت الإحصاءات أن من بين المنشآت الصحية، لا يوجد مستشفى يعمل بشكلٍ كامل، إذ يعمل 22 مستشفى بشكل جزئي و14 مستشفى خارجة عن الخدمة بشكل نهائي (1). وقد لُوحظ أيضًا أن عدد ضحايا الكوادر الصحية بلغ 1172 حالة، منها 115 طبيبًا و290 ممرضًا، إضافة إلى حالات اعتقال وتعذيب تعكس طبيعة الاستهداف العنيف والمتعمد.

تهدف الدراسة إلى تقديم تحليل شامل يتناول الأسباب والنتائج القانونية والإنسانية لهذه الانتهاكات، واستعراض التحديات التي تواجه جهود المحاسبة الدولية، مع تسليط الضوء على الضرر الذي يلحق بنسيج المجتمع الفلسطيني في غزة.

أولاً: الإطار النظري ومراجعة الأدبيات

1. قانون الحرب وحماية المنشآت الطبية

يستند القانون الدولي الإنساني، وبشكل خاص اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاتها الإضافية، إلى مبدأ حماية المدنيين والمنشآت الطبية أثناء النزاعات المسلحة. وينص القانون بوضوح على أن المستشفيات والكوادر الطبية يجب أن تظل محصنة من الاعتداءات العسكرية إلا في الحالات الاستثنائية التي تُستخدم فيها المنشآت لأغراض عسكرية مباشرة. وقد أكد العديد من الخبراء في القانون الدولي على أن استهداف مثل هذه المنشآت يُعدُّ جريمة حرب ويمثل انتهاكًا صارخًا للحقوق الإنسانية (أمثلة على ذلك تقارير هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية) (2).

2. استهداف المنشآت الطبية في النزاعات الحديثة

تشير الأدبيات الحديثة إلى تحول الاستهداف العسكري في النزاعات الحديثة إلى توجه استراتيجي يؤدي إلى تدمير البنية التحتية الحيوية لدولة بعينها، وليس مجرد تصعيد عسكري عابر، وقد تناولت العديد من الدراسات موضوع "حرب المعلومات" و"الحصار الصحي" كجزء من الاستراتيجيات الحديثة التي يتم من خلالها خلق حالة من الاضطراب والهيمنة (3).

3. الإحصاءات والدلالات على تدمير القطاع الصحي في غزة

تستند دراسات حالة قطاع غزة إلى بيانات إحصائية دقيقة. فقد أفادت مؤسسة الدراسات الفلسطينية في قسم "تشغيل المستشفيات" أن:

•  المشافي التي تعمل بشكل كامل: 0

•  المشافي التي تعمل بشكل جزئي: 22

•  المشافي الخارجة عن الخدمة: 14

وبالنسبة لاستهداف الكوادر الصحية، فإن الإحصاءات تُظهر:

•  ضحايا القطاع الصحي: 1172 حالة

•  الأطباء الشهداء: 115

•  الممرضين الشهداء: 290

تشير هذه الأرقام إلى أن تأثير الاعتداءات العسكرية يتعدى كونه خسارة بشرية فقط، بل يؤدي إلى انهيار النظام الصحي بشكل كامل، مما يزيد من معاناة السكان المدنيين ويُفاقم الأزمة الإنسانية.

4. الأبعاد الأخلاقية والإنسانية

يرى عديد من الخبراء أن استهداف المنشآت الطبية هو هجوم على الإنسانية بذاتها، حيث يُفضي إلى فقدان الأرواح وزعزعة استقرار المجتمع ومن منظور أخلاقي وقد أكَّدت منظمة أطباء بلا حدود أن الهجمات على المستشفيات تشكل "انتهاكًا صارخًا" للقانون الدولي الإنساني، الذي يُحرِّم استهداف المنشآت الصحية خلال النزاعات المسلحة، ويُهدِّد حياة المدنيين الذين يعتمدون عليها للعلاج(4)، وقد كما أشارت المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة إلى أن استهداف المستشفيات في غزة دفع النظام الصحي إلى حافة الانهيار، معتبرةً ذلك "تجاهلًا صارخًا" للقانون الدولي، وقد ربطته بجرائم حرب محتملة (5).

 يُعتبر هذا الفعل إساءة استخدام السلطة العسكرية على حساب حياة المدنيين، مما يتنافى مع القيم الأخلاقية العالمية التي تدعو إلى حماية الضعفاء ورعاية المحتاجين خلال فترات النزاع وهي من المقاربات الأخلاقية بتناول النفعية مقابل حقوق الإنسان.

 

تعتمد الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي لجمع البيانات وتحليلها من مصادر متنوعة، حيث شُملت المصادر التالية:

•  المصادر الإحصائية: تم الاستعانة ببيانات مؤسسة الدراسات الفلسطينية الموثقة على موقعها الإلكتروني ([gazahcsector.palestine-studies.org]).

•  تقارير حقوق الإنسان الدولية: تقارير هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية التي توثق هجمات الاحتلال على المنشآت الطبية.

•  المصادر القانونية: اتفاقيات جنيف والوثائق القانونية الدولية المتعلقة بحماية المدنيين والمنشآت الطبية.

•  المصادر الإعلامية المحلية والدولية: تقارير من شبكة الجزيرة وغيرها لتوثيق الحالات والشهادات المتعلقة بالاستهداف.

كما تم إجراء مقارنة بين الوضع الراهن في غزة وبعض النزاعات الأخرى لتقييم مدى تفرد هذه الظاهرة في سياق الاحتلال الإسرائيلي.


تحليل الاستراتيجيات للاستهداف والتبعات الإنسانية والاجتماعية والاثار القانونية والبعد الأخلاقي:

1. استراتيجيات الاستهداف ونمط العمل العسكري

يعمل الاحتلال الإسرائيلي وفق آليات معقدة تجمع بين الهجمات الجوية والمدفعية والاقتحامات البرية لاستهداف المنشآت الطبية،  فقد طُلب من بعض المستشفيات الإخلاء القسري تحت تهديد القصف المباشر، مما يُظهر نية تشغيل هذا النهج لتفكيك النظام الصحي.

على سبيل المثال، تُذكر حالات مستشفى كمال عدوان التي تعرضت لأوامر إخلاء متكررة ثم قُصفت، حيث أُجبرت الطواقم الطبية على العمل تحت ظروف استثنائية وغير إنسانية. وقد أدت هذه الإجراءات إلى فقدان كفاءات بشرية حيوية، فبالإحصاءات:

•  لم يعد هناك مستشفى يعمل بشكل كامل؛ بل يعتمد القطاع على 22 مستشفى تعمل بشكل جزئي فقط، فيما تُعتبر 14 منشأة غير قابلة للعمل على الإطلاق.

في حين أن القانون الدولي يُلزِم الأطراف المتحاربة بإثبات سوء استخدام المنشآت الصحية قبل استهدافها، وهو ما لم يتحقق في معظم الحالات (6). كما أكدت أطباء بلا حدود أن افتراض وجود مقاتلين في مستشفياتها لا يبرر الهجمات، خاصة مع غياب التحذيرات المسبقة (7).

 

2. التبعات الإنسانية والاجتماعية

ينجم عن استهداف المنشآت الطبية آثار كارثية تمتد إلى ما هو أبعد من خسائر الأرواح المباشرة. وتشمل هذه الآثار:

•  تدهور الخدمات الصحية: حيث يؤدي قصف المستشفيات إلى توقف تقديم الخدمات الطبية العاجلة، مما يزيد من نسبة الوفيات بين المرضى والجرحى.

•  زيادة معاناة النازحين: تمتلئ مراكز الإيواء بالمصابين والمرضى بسبب عدم توفر الرعاية الصحية الكافية.

•  أثر نفسي واجتماعي: تترك هذه الانتهاكات أثرًا بالغًا على الحالة النفسية للمجتمع، مما يؤدي إلى زيادة معدلات اضطرابات ما بعد الصدمة والقلق بين الناجين من النزاع.

وتؤكد التقارير الدولية أن النتيجة المباشرة لهذه الاستراتيجية هي تدمير البنية التحتية الصحية بشكل يجعل من القطاع غير قادر على تحمل أي طارئ صحي أو اقتصادي مستقبلي.

3. الآثار القانونية والدولية

يندرج استهداف المنشآت الطبية ضمن الجرائم ضد الإنسانية وفقًا لتعريفات القانون الدولي. ويبرز ذلك من خلال:

•  انتهاك اتفاقيات جنيف: حيث تنص المادة (18) من اتفاقية جنيف الرابعة على عدم جواز الهجوم على المستشفيات المدنية، وهو ما لم يحترم في العديد من الحالات التي شهدتها غزة.

•  التحديات في إثبات المسؤولية: تواجه محاكم الجرائم الدولية صعوبات في جمع الأدلة في مناطق النزاع، مما يجعل محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم أمرًا معقدًا.

•  المطالبة بمحاسبة دولية: تتواصل الدعوات الدولية لمحاسبة قادة الاحتلال على الجرائم المرتكبة بحق المدنيين والمنشآت الطبية كجزء من جهود العدالة الدولية لمنع تكرار مثل هذه الانتهاكات (6).

4. تحليل النقاط الإحصائية والبيانات

تشكل البيانات الإحصائية المُقدمة من مؤسسة الدراسات الفلسطينية أحد أهم الركائز في هذه الدراسة. فعلى سبيل المثال:

•  تشغيل المستشفيات: وفقًا للبيانات، يعمل القطاع الصحي في غزة بأدنى مستوى ممكن مع عدم وجود مشفى يعمل بشكل كامل، الأمر الذي يوضح حجم الدمار الذي لحق بالبنية التحتية الصحية.

•  استهداف الكوادر الصحية: أظهرت الإحصاءات أن 1172 حالة ضحية من الكوادر الصحية، من بينهم 115 طبيبًا و290 ممرضًا، ما يشير إلى أن الخسائر البشرية في هذا القطاع تُعد نتيجة مباشرة لاستراتيجية الاحتلال في تدمير نظام الرعاية الصحية.

تلك الأرقام تُبرهن على أن الهدف الرئيسي ليس فقط إزالة القدرة الطبية من تقديم الخدمات، بل يهدف أيضًا إلى خلق حالة من الذعر واليأس بين السكان، مما يُقوّي موقف الاحتلال في قلب المجتمع الفلسطيني.

5. الأبعاد الأخلاقية والنقد الأخلاقي

من الناحية الأخلاقية، يُعتبر استهداف المنشآت الطبية والكادر الطبي تهديدًا أساسيًا لحياة الإنسان، حيث يُفقد العديد من المواطنين أمل العلاج والرعاية، وهو ما يُشكل نكسة أخلاقية وانتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان.

قد يجادل بعض الجهات بأن هذه الإجراءات هي جزء من استراتيجيات الحرب لتحقيق أهداف عسكرية، إلا أن التعارض الواضح بين هذه الإجراءات والمبادئ الإنسانية يبرز ضرورة رفضها وعدم قبولها بأي مبرر.

تعتبر التجارب الإنسانية في غزة شهادة حية على أن هذه الانتهاكات لا تتوقف عند حدود فقدان الأرواح فحسب، بل تمتد إلى تفكيك النسيج الاجتماعي وفقدان الثقة في إمكانية حماية حقوق الإنسان حتى خلال النزاعات المسلحة.

 

التوصيات

1. تعزيز آليات المحاسبة الدولية

•  ضرورة تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة توثق الانتهاكات وترفع تقارير مفصلة إلى مجلس الأمن الدولي.

•  إلزام محاكم الجرائم الدولية بمراجعة وتحليل الأدلة المتوفرة ومحاكمة المسؤولين عن هذه الجرائم دون تأخير.

2. دعم المنظمات الإنسانية والحقوقية

•  زيادة الدعم المالي واللوجستي للمنظمات الإنسانية التي تعمل على تقديم المساعدة الطبية وتوثيق الانتهاكات في القطاع الصحي.

•  السماح بوصول المساعدات الطبية والإنسانية دون عقبات أو قيود تفرضها سياسات الاحتلال.

3. الضغط على المجتمع الدولي

•  إطلاق حملات توعية موسعة لتسليط الضوء على الانتهاكات التي يتعرض لها القطاع الصحي في غزة.

•  مطالبة مجلس الأمن الدولي بتطبيق إجراءات رادعة ضد الاحتلال الإسرائيلي وفقًا للقرارات الدولية والاتفاقيات ذات الصلة.

4. تطوير خطط لإعادة الإعمار

•  وضع خطط شاملة لإعادة إعمار المنشآت الطبية المتضررة في غزة بالتعاون مع المنظمات الدولية والجهات المانحة.

•  إنشاء برنامج دولي لتدريب وتأهيل الكوادر الطبية المتبقية وتعويض الخسائر البشرية والفنية.

5. ضمان حماية المستشفيات خلال النزاعات

•  تطبيق آليات حماية مستعجلة خلال فترات النزاع، تضمن عدم استهداف المستشفيات والكوادر الطبية، وتوفير ممرات آمنة لنقل المرضى والمصابين.

•  العمل على فرض حظر دولي صارم على أسلحة الاستهداف الجوي والمدفعي التي تُستخدم في قصف المنشآت الطبية.

الخاتمة

من الضروري أن يدرك المجتمع الدولي حجم الكارثة الإنسانية التي يشهدها قطاع غزة نتيجة الاستهداف الممنهج للمستشفيات والكادر الطبي وهذه الدراسة لم تكن مجرد عرض إحصائي للأرقام والبيانات، بل محاولة لفهم الأبعاد القانونية والأخلاقية لهذه الجرائم، وتقديم توصيات عملية تستهدف وقف الانتهاكات وتأمين حماية حياة المدنيين في مناطق النزاع والتأكيد على أن استهداف المستشفيات والكادر الطبي في قطاع غزة يمثل جرائم حرب لا غبار عليها ويُعد انتهاكًا صريحًا للقانون الدولي الإنساني والمبادئ الأخلاقية التي تُعتبر حجر الزاوية في حماية حياة الإنسان فقد أدت هذه الهجمات إلى انهيار كامل للقطاع الصحي وتركت آثارًا كارثية على حياة الشعب الفلسطيني، ليس فقط من حيث الخسائر البشرية، بل أيضًا من حيث تدمير البنية التحتية التي تُعتمد عليها الخدمات الأساسية.

تبقى مسؤولية المجتمع الدولي قائمة في الضغط على الاحتلال الإسرائيلي لمحاسبة مرتكبيه ووقف هذه الانتهاكات فورًا، إذ إن استمرارها يُشكل تهديدًا للأمن والسلم الدوليين. كما يجب توفير الدعم اللازم لجهود إعادة الإعمار وتعزيز القدرة الطبية في غزة، لضمان استعادة الثقة في النظام الصحي وتأمين حقوق المواطنين في الرعاية والعلاج.


قائمة المراجع

1.   مؤسسة الدراسات الفلسطينية

o البيانات الإحصائية حول تشغيل المستشفيات واستهداف الكوادر الصحية.

o المصدر: https://www.palestine-studies.org/ar [gazahcsector.palestine-studies.org].

2.   تقارير هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية

o تقارير تتناول انتهاكات القانون الدولي الإنساني واستهداف المنشآت الطبية.

3.   دراسات مركز الجزيرة للدراسات ومؤسسة الدراسات الفلسطينية

4.   اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاتها الإضافية

·      الوثائق القانونية التي تحدد مبادئ حماية المدنيين والمنشآت الطبية في النزاعات المسلحة.       

5.   تقارير إعلامية من شبكة الجزيرة

o توثيق الحالات والشهادات المتعلقة بالهجمات على القطاع الصحي في غزة ([aljazeera.net], [alpheratzmag.com], [almamlakatv.com]).

6.   ohchr.org], [info.wafa.ps]).

7.   https://www.almanar.com.lb/12571220

8.   https://www.msf.org/ar/

9.   تقييمات ومؤشرات من منظمة الصحة العالمية https://www.ohchr.org/ar/press-releases/2024/12/pattern-israeli-attacks-gaza-hospitals-raises-grave-concerns-report

o بيانات حول تدهور الخدمات الصحية ونقص الموارد في مستشفيات غزة.