‎الولايات المتحدة وتأجيج الصراعات الإثنية والقومية: تكتيك جيوسياسي لكبح الصين وتطويق الخصوم
27 Jul 2025

منذ بداية القرن الحادي والعشرين، أصبح جلياً أن الولايات المتحدة لا تكتفي بدور المراقب في النزاعات العرقية والقومية التي تشتعل في مناطق التماس الجغرافي حول العالم، بل توظف هذه النزاعات كأدوات استراتيجية ضمن سياق صراعها الأوسع على النفوذ، خاصة مع تنامي صعود الصين كقوة عالمية صاعدة. ولم تعد هذه السياسة خافية، بل تتجلّى بوضوح في محيطات آسيا، وحدود أوروبا، وعمق الشرق الأوسط، بما يشمل الأراضي الفلسطينية وقطاع غزة تحديداً.


وبالتالي؛ يتكرر السلوك الأمريكي الخفيّ حديثاً في محيط *مضيق ملقا،* الذي تمر من خلاله قرابة 40% من تجارة العالم، حيث تتسع هوامش التوتر الكامن بين *كمبوديا وتايلاند،* وسط مؤشرات على احتمال دخول *فيتنام* طرفاً فاعلاً في النزاع مستقبلاً. ما يبدو خلافاً حدودياً تقليدياً يأخذ أبعاداً استراتيجية خطيرة عند قراءته ضمن *خريطة النفوذ الأمريكي في بحر الصين الجنوبي.* إذ تعمل واشنطن، من خلال دعم غير مباشر لبعض الأطراف، على إبقاء هذا الإقليم في حالة من التوتر والتأهب، مما يعيق أي محاولة لإنشاء تكتل إقليمي تقوده بكين، ويعيق تقدم *مشروع "الحزام والطريق"* الذي يمثل العمود الفقري لطموحات الصين الجيوسياسية.


 الصورة ذاتها تتكرر، ولكن بألوان أكثر حدّة، في الشرق الأوسط وشرق المتوسط. فبينما ترفع الشعارات الغربية الداعية إلى "السلام والديمقراطية"، تغضّ واشنطن الطرف – أو تشارك ضمنياً – في إعادة إنتاج الانقسامات الطائفية والعرقية، بما يخدم إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية لصالحها. النزاع الفلسطيني الفلسطيني المستمر في الأراضي الفلسطينية، في ظل دعم الاحتلال الاحلالي في الأراضي الفلسطينية وتحديداً ما يجري منذ قرابة عامين في قطاع غزة، حيث يمثّل ذلك أوضح الأمثلة على هذه الاستراتيجية؛ إذ بدلاً من العمل الجاد نحو تسوية عادلة وشاملة، نلاحظ أن السياسات الأمريكية تساهم في ترسيخ الانقسام الفلسطيني، وتعزيز الاحتلال والحصار، وإطالة الصراع المفتوح، مما يجعل من غزة بؤرة اختبار دائم لتحمُّل الأزمات الإنسانية وتوظيفها كورقة تفاوض جيوسياسية.


ومن جانب آخر تتبع أمريكا نفس السلوك من خلال وكيلتها اسرائيل في كل من *سورية ولبنان وايران*، في محاولة لاشعال فتيل النزاعات داخل تلك الدول لأجل ضمان نفوذها عبر توسعة قاعدتها العسكرية في المنطقة "إسرائيل".


كذلك الأمر على أطراف أوروبا، لا سيما في *البلقان وجنوب القوقاز،* تعيد الولايات المتحدة تفعيل ملفات قديمة وإعادة توجيهها لتعطيل أي تقارب جغرافي-اقتصادي بين أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى. تأجيج التوتر بين *أذربيجان وأرمينيا،* وتغذية الانقسامات في *البوسنة وكوسوفو،* لا يمكن قراءته بمعزل عن نمط التدخل الأمريكي الهادف إلى *شغل الجوار الروسي والصيني وتفتيت مراكز القوة الإقليمية.*


وعليه وبحسب مصادر بحثية مختلفة كنت قد حصرت مجملها قبل اعداد هذا المقال بما فيها أمريكية تؤكد أن هذه الاستراتيجية الأمريكية في توظيف النزاعات الإثنية والقومية تخدم أهدافاً واضحة أبرزها: *إبطاء الصعود الصيني، تطويق النفوذ الروسي، إضعاف قوى الإقليم، وتعزيز الحاجة إلى المظلة الأمنية الأمريكية بوصفها ضامنًا للاستقرار.* في نفس السياق يرى باحثين ومنظرّين وساسة أنّ نتائج هذا النهج أصبحت مقلقة للغاية؛ إذ تهدد باضعاف مبدأ السيادة الوطنية، وتقويض الأمن الجماعي، وتغذي حالة من عدم اليقين الدولي قد تقود إلى *تفكك النظام الدولي القائم.*


من هذا المنطلق، تبدو الحاجة ملحة لإعادة النظر في هذا النمط من إدارة التوازنات العالمية. كون أن السلم والاستقرار لا يتحققان باذكاء وتأجيج الأزمات والصراعات بل بحلها بطرق عادلة ومستدامة. وأي استمرار لهذا السلوك المصلحي والأناني لن يؤدي إلا إلى مزيد من التشرذم، وتراجع الثقة بالمؤسسات الدولية، *وتعميق الفجوة بين الشمال والجنوب العالميين،* وهو ما قد يضع العالم على أعتاب صراع شامل بطابع غير تقليدي. 


وبالرغم من قتامة المشهد فإنني أعتقد أنه إذا ما حدث الاختلال في النظام العالمي القائم فإن ذلك بالضرورة يمثل ايذاناً لبزوغ فجر الشرق واستعادة الحقوق التي قد تم سلبها في ظروف شبيهة بتلك ولكن المختلف اليوم هو صعود قوى إقليمية ودولية لها طموحات غير متقاطعة مع مصالح القطب الواحد المهيمن.