بعد تضخيم إعلامي كبير وأخبار متسارعة وتصريحات مثيرة تجذب المتابعين وتطلق العنان للمحللين والمراقبين، كقول الشاعر (أَنامُ مِلءَ جُفوني عَن شَوارِدِها وَيَسهَرُ الخَلقُ جَرّاها وَيَختَصِمُ)، مع اقتراب زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لدول الخليج واستمرار الشو الإعلامي خلال الزيارة حول قضايا الوطن العربي وفي مقدمتها غزة وسوريا والحرب في أوكرانيا.
وما سبقها من إطلاق سراح عيدان ألكسندر ونزول مبعوثي ترامب لاطلاق تصريحات مماثلة من إسرائيل وبدء مفاوضات لم تتقدم خطوة واحدة خلال كل الجولة وقدم فيها عرضا مرفوض سابقا من قبل حماس، وكأن الأمر كان برمته خدعة إعلامية وتخلص من ورقة الأسرى الأمريكيين من قبل ترامب.
والمؤسف للغاية أن خلال الجولة برمتها لم تسمع تصريحاً مثيرا من الزعماء العرب بل والأدهي من ذلك أنهم صرفوا الأنظار نحو سوريا وأوكرانيا وكأن ملف غزة قد انتهى أو انه لم يعد يتصدر الملفات الكبرى.
شو ترامب الإعلامي وجولته للخليج ودول العرب أسفرت عن عدة أمور أبرزها تحصيل أموال كبيرة كان قد وعد بها ترامب منتقدي فرض الرسوم الجمركية على العالم من الداخل الأمريكي وقدروا الخسارة بمبلغ قدم العرب ضعفه له تحت مسميات الاتفاقات الدفاعية والاستثمارات وصفقات السلاح التي يمكن وضع مليون علامة استفهام حول جدوى تلك الصفقات وخاصة إذا ما كانت صفقات السلاح أمريكية والاشراف والتدريب تحت الرعاية الأمريكية ووبالتالي حتى التوجيه لاستخدامها سيكون أمريكيا.
أما نتائج تلك الزيارة فكانت تقديم "كيكة" سوريا" للملك ترامب الذي أتى بالشرع للسعودية ليلقن ما عليه فعله في قادم الأيام من طرد للفصائل الفلسطينية وانهاء "داعش" وتجهيز الداخل للتطبيع مع إسرائيل، مقابل شو إعلامي اسمه "رفع العقوبات"
كما أن الأمر الأهم من ذلك هو الغطاء الإعلامي على المجازر المرتكبة من قبل الاحتلال بحق الغزيين منذ بدء الجولة حتى كتابة سطور المقال وأوامر الاخلاء المتسارعة التي وصفها الاعلام العبري ويعلم يقينها الشارع الغزي أنها تفوق رد الفعل الإسرائيلي يوم الثامن من أكتوبر بمعنى أنها أقوى من بداية الحرب على غزة.
كما أن الشو الإعلامي الذي قاده العرب بأمر أمريكي لم يكن إلا محاولة لإظهار الاهتمام الكاذب بملف غزة لتمرير صفقات وتقديم قرابين لواشنطن لتطبيق صورة السلام المزعومة بالقضاء على حركات المقاومة في الشرق الأوسط واطلاق يد واشنطن لفعل ما يحلو لها عبر مؤسساتها في المنطقة وعبر الذراع الأيمن والفتى المدلل "إسرائيل" بزعم حفظ أمنها واستقرارها وتنفيذ مشاريعها التوسعية التي ستطال العرب أنفسهم إن استمر الوضع كذلك.
أما ما لا يقبل للمواطن العادي ولا يبشر بخير أبداً، هو الخديعة الأمريكية وضمانات الوسطاء بعد تقديم عيدان ألكسندر وعدم الإيفاء بالمتطلبات التي صرحت بها حماس مؤخرا عبر فتح باب المساعدات والجلوس على طاولة المفاوضات ولجم عدوان الاحتلال.
تلك الضمانات والرعاية الأمريكية تنجح للمرة الثانية في اللعب على وتر أرواح الغزيين بما يمنح نتنياهو مزيدا من الوقت للهرب من أزمات الداخل الإسرائيلي وتجربة كل المحاولات لابادة الغزيين على مرأى ومسمع العالم المتباكي على أرواح الأوكرانيين من ضربات الروسيين، والمرتعبين من عودة حزب الله لمقارعة الاحتلال.
وبعد الشو الإعلامي كله وما سبق ذكره، وعقب مغادرته الشرق الأوسط قال ترامب إن أموراً جيدة ستحدث لغزة خلال الشهر المقبل، ويكأنه يقول لإسرائيل كثفي من ضرباتك وجربي "مركبات جدعون" وسنعود لفحص نتائجها الشهر المقبل ونقدم العرض المرفوض سابقا ونلحظ جدوى تلك المركبات،، وخلال تلك الفترة، هل سنشهد أحداثاً درامتيكية تحول جل المسار أم أن الإبادة ستستمر ويستمر ضعف الوسطاء ودعم "الأشقاء" لتلك الإبادة.



