تحالف الهشاشة: العولمة تنهار... وفلسطين تخرج من تحت الركام
15 Apr 2025

مدخل: نهاية الرواية الاحادية وبداية عصر تعدد الحقائق

منذ قرن من الزمان، وعبء الاحتلال جاثم على صدر فلسطين. ظنّت القوى الكبرى أن بإمكانها طمس الحق وتزوير الوعي، صنعت كياناً غريباً عن الجغرافيا والتاريخ، وفرضته بالقوة على شعب أعزل، لكنه عصيّ على الانكسار. اليوم، تعود فلسطين من بين الأنقاض، ليس فقط كقضية، بل كلاعب في معادلة عالمية تتغير، بينما تنهار العولمة الغربية التي أنجبت كيان الاحتلال.

ما نشهده ليس أزمة في تحالف، بل زلزالًا يعصف بينية الهيمنة الغربية، من واشنطن إلى تل أبيب، من كييف إلى البحر الأحمر، من غزة إلى القطب الجنوبي. العالم يتفكك من مركزه، والنظام الدولي الذي منح "إسرائيل" شرعيته، يتهاوى.

أولاً: العولمة الغربية - حين تسقط أقنعة الليبرالية عن أنياب الهيمنة

1. الهيمنة بلباس إنساني

العولمة لم تكن سوى أداة ناعمة لفرض مصالح المركز الغربي على الهامش. تحت عناوين براقة ك"حقوق الإنسان" و"الديمقراطية"، بسطت واشنطن سطوتها على العالم، وفرضت كيان الاحتلال كحارس لمصالحها في قلب العالم العربي والإسلامي.

هذا الكيان، الذي زُرع على أنقاض شعب مشرّد، لم يكن يوماً "دولة طبيعية"، بل أداة وظيفية لخدمة مشروع إمبريالي. إنه كيان لا يملك مقومات البقاء الذاتي، بل يتغذى على الدعم الغربي، ويعيش على هامش النظام العالمي.

2. صراع الأقنعة: من الشراكة إلى التبعية

العلاقة بين واشنطن و "إسرائيل" كانت دائماً علاقة غير متكافئة. ترامب لم يُخْف هذا الأمر، بل جعله وقحاً: "إسرائيل" أداة، لا أكثر.

حين رفض ضرب إيران، رغم توسلات نتنياهو، كشف أن المصالح الأمريكية فوق كل شيء، حتى فوق "الالتزامات التاريخية"

تجاه تل ابيب.

إنه درس قاسٍ للكيان: حين تتغير المصالح، تُرمى الأدوات.

ثانيًا: كيان الاحتلال وسط انهيار المنظومة التي أنجبته

1. أمريكا تتراجع... والنظام الأحادي يتفكك

الاقتصاد الأمريكي يتقلص من 40% إلى 24% من الناتج العالمي.

الثقة بمؤسساتها تهوي.

الدولار يفقد هيبته كعملة احتياط.

ضمن هذا السياق، لم تعد واشنطن قادرة على حماية "إسرانيل" كما في السابق. أولوياتها باتت اقتصادية، داخلية، شرق آسيوية، بينما كيان الاحتلال يعاني من:

أزمة شرعية متصاعدة.

عجز أمام مقاومة تتجدد كل يوم.

تراجع الردع، وسقوط روايته الأخلاقية.

2. "إسرائيل": مشروع استيطاني هش في لحظة ما بعد الاستعمار

لم يعد الكيان يخيف أحداً. لقد انكشفت هشاشته في معركة "طوفان الأقصى"، حين واجه مقاومة بأسلحة محدودة، فانهار أمنياً وعسكرياً ونفسياً. يعيش الكيان اليوم أزمة هوية وجودية، ولا يملك أي مشروع سياسي سوى المزيد من الدم، والمزيد من الاستعانة بواشنطن.

لكنه لا يدرك أن واشنطن نفسها تتفكك.

ثالثًا: ولادة البديل العالمي... وفلسطين تدخل من بوابة التعدد القطبي

1. الشرق الجديد ... يغيّر المعادلة

الصين تطرح مفاهيم العدالة الدولية، وتدعم القضية الفلسطينية علناً.

روسيا تكسر الاحتكار الغربي وتستقبل وفود المقاومة.

بريكس تعيد رسم الاقتصاد العالمي، وتكسر احتكار الدولار الذي يستخدم كأداة تجويع ضد غزة.

لأول مرة، يصبح الحصار غير محكم، والدعم غير مشروط، والصوت الفلسطيني مسموع في عواصم القرار خارج واشنطن ولندن.

2. سلاح المقاومة الجديد: المعرفة، التكنولوجيا، واللامركزية

المقاومة لم تعد فقط بندقية في نفق، بل أصبحت أيضاً:

رواية تُبث عبر التيك توك والإنستغرام، تكسر جدار الإعلام الموجّه.

تمويلاً مشفراً يكسر الحصار المالي.

وعياً سياسياً واقتصادياً لا يركن إلى الوعود الغربية.

هذا تحوّل استراتيجي: من ضحية تطلب الإنصاف... إلى فاعل يفرض شروطه.

رابعًا: حل الدولتين... انتحار ناعم لكيان الاحتلال

يروج الغرب ل"حل الدولتين" كمخرج من أزمة الكيان، لكن الواقع مختلف تماماً:

قبول الكيان بحل الدولتين يعني التخلي عن القدس، وهو ما يعادل الانتحار الرمزي.

فكيك المستوطنات يعني تفكيك البنية الاستعمارية التي تمثل جوهر "إسرائيل".

انسحاب من الضفة يعني فقدان العمق الأمني.

وبالتالى، حل الدولتين هو مجرد تمهيد لتفكيك كيان الاحتلال، لا تسوية تحفظ وجوده. ولهذا يرفضه قادة "إسرائيل" حتى وهم بتظاهرون بقبوله.

خاتمة: فلسطين من النهر إلى البحر ... حقيقة لا يمكن محوها

إن ما يسمى "إسرائيل" يعيش نهاية وظيفته التاريخية. لم يعد يمثل نموذجاً يُحتذى، بل عبناً على الغرب نفسه. ومع تراجع الهيمنة الغربية، ينكشف الكيان على حقيقته: كيان استيطاني مؤقت، لا مكان له في مستقبل متعدد الأقطاب.

ليوم، فلسطين تكتب سرديتها من جديد. لا عبر قرارات الأمم المتحدة، ولا مؤتمرات مدريد وأوسلو، بل عبر معادلة المقاومة، والمثابرة، والتجذر في الأرض، والانتماء للأمة.

لمسطين لم تعد تطلب الاعتراف، بل تفرضه.

ولن يكون لهذا القرن معنى، ما لم يتحقق الشعار الذي أصبح يقيناً:

"من النهر إلى البحر، فلسطين حرة."

خالد دراوشه - معهد فلسطين للدراسات الاسترائيجية


المواضيع ذات الصلة
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الثقافي والاعلامي
مفهوم المقاومة الفلسطينية وطوفانها
07 Oct 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الثقافي والاعلامي
طوفان الأقصى عامان من الوعي المقاوم إلى ميلاد مرحلة جديدة للحقوق الفلسطينية
07 Oct 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
الخديعة الكبرى: كيف شرعنّت واشنطن ضم الضفة وخطّت تهجير فلسطين — ترامب مهندس المصيدة
02 Oct 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الثقافي والاعلامي
المبادرة الأمريكية: غطاء للانتصار الرمزي للاحتلال أم اختبار للقوة الفلسطينية؟
02 Oct 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الثقافي والاعلامي
‎استراتيجية الاحتلال الثابتة ضد الاعترافات بالدولة الفلسطينية
22 Sep 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
المطلوب من قادة العرب في قمة الدوحة
13 Sep 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الثقافي والاعلامي
خدعة “المجانية” وواجب الانتصار الفلسطيني
12 Sep 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الثقافي والاعلامي
ماذا ينتظر الخليج بعد الفخاخ الأربعة؟
12 Sep 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
الاغتيالات الإسرائيلية قوة متوهَّمة أم إقرار بالضعف البنيوي؟
10 Sep 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الثقافي والاعلامي
من الأونروا إلى إمارة الخليل: استراتيجيات تفكيكالمرجعية الفلسطينية واستشراف مآلاتهام
07 Sep 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
مصر مركز الحسم في الصراع الإقليمي
07 Sep 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الثقافي والاعلامي
تركيا بين التدخل الإقليمي ومسؤولياتها التاريخية تجاه فلسطين
05 Sep 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
منظمة شنغهاي والتداعيات المحتملة على واقع الحرب في غزة
02 Sep 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الثقافي والاعلامي
اللاءات الأمريكية وثروة غزة، الجيوسياسة والبديل الطاقوي
30 Aug 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الثقافي والاعلامي
غزة وتآكل القوة الناعمة الأمريكية عالمياً
28 Aug 2025