“”
✍️ رامي الشقرة
المبادرة الأمريكية الأخيرة ليست مساراً حامياً أو حرصاً على الدم الفلسطيني، بل مناورة سياسية ذكيةهدفها حماية إسرائيل من مأزقها العسكري والدبلوماسي بعد عامين من المعركة المستمرة التي فشلتفيها تل أبيب في حسم الصراع واستهداف قيادات المقاومة في الداخل والخارج، بينما ازداد الكرهالدولي ضدها بشكل غير مسبوق. واشنطن لم تتحرك انطلاقاً من حق الفلسطينيين في الحماية أوالعدالة، بل من رغبتها في إنقاذ حليفتها الكبرى سياسياً وإعادة صياغة سردية العالم لصالح الاحتلال. كلفقرة في المبادرة مصاغة لتبييض صورة إسرائيل، وتحويل المقاومة الفلسطينية إلى طرف “معطلللسلام”، بينما هي في الحقيقة درع الدفاع المشروع لشعب يتعرض للإبادة.
المبادرة تهدف إلى فرض سردية بديلة، تصور استمرار الحرب كنتيجة “عناد المقاومة”، وأن إسرائيلمجرد طرف مضطر للدفاع عن النفس، في حين أن الواقع يكذب هذا الادعاء؛ الاحتلال هو الطرفالمعطل، والمقاومة رد فعل مشروع ضد العدوان المنظم. الرد الفلسطيني والعربي على هذا التضليليجب أن يكون استراتيجية متعددة المستويات، تجمع السياسة والدبلوماسية والإعلام، لتكشف التضليلوتعيد السردية إلى نصابها الصحيح. السيطرة على السردية الدولية عبر رسائل واضحة مفادها أنالاحتلال يرفض وقف العدوان وأن المقاومة حق مشروع للدفاع عن الأرض، وتوظيف الأدلة الميدانيةوالصور والتقارير الطبية والحقوقية لتفضح محاولات تجميل الاحتلال، هي الخطوة الأولى. على المستوىالدبلوماسي، يجب ربط أي مبادرة بالحقوق الوطنية الفلسطينية الأساسية، بما في ذلك إنهاء الاحتلال،إطلاق الأسرى، حرية الحركة، وإقامة الدولة، مع فرض شروط صارمة على أي تقدم. الإعلام الدوليوالمجتمع المدني يجب أن يكونوا أدوات مضاعفة لنقل الحقيقة بشكل مستمر، وإحباط أي محاولاتأمريكية–إسرائيلية لتزييف الواقع.
اختيار فلسطين للقبول المشروط هو تكتيك استراتيجي ذكي يحول المبادرة من فخ دبلوماسي إلى أداةضغط تكشف النفاق الأمريكي وتضع إسرائيل في مأزق السردية أمام العالم. هذا القبول يجب أن يرتبطبشروط صارمة: وقف فوري ونهائي لإطلاق النار مع آلية مراقبة دولية مستقلة، انسحاب القواتالإسرائيلية من المناطق المدنية، إعادة الخدمات الأساسية، إطلاق سراح كامل للأسرى، مسار سياسيملزم زمنياً لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة، وعدم منح الحصانة لمرتكبي الجرائم. أي خرق من الاحتلاليحوّل المبادرة فوراً إلى قضية دولية للمساءلة، مما يفضح الادعاءات الأمريكية بأنها تهدف للسلام بينماهي غطاء لاستمرار الاحتلال وإخفاء الجرائم.
الخطاب الفلسطيني الرسمي والميداني يجب أن يكون صارماً ومركّزاً، يعيد تعريف المقاومة كحقمشروع للدفاع عن الشعب والأرض، ويبرز الاحتلال كطرف معطل للسلام. يجب استخدام الحقائقالميدانية كقوة ساطعة أمام العالم، من صور وبيانات حية عن الضحايا والدمار، إلى شهادات طبيةوتقارير حقوقية، لتفضح كل محاولة لتجميل الاحتلال أو تصويره كطرف “معتدى عليه”. الرسائلالإعلامية يجب أن تكون مركزة وقصيرة، تُكرّر باستمرار في جميع الوسائط الرقمية والتقليدية، مؤطرةبشكل يوضح أن أي تقدم يعتمد على التزام الاحتلال بالحقوق الوطنية، وأن المقاومة هي صمام الأمانللشعب الفلسطيني، وواشنطن شريك في تغطية جرائم الاحتلال.
في المحصلة، المبادرة الأمريكية ليست سلاماً، بل اختباراً للقوة الفلسطينية في تحويل كل خطوةأمريكية مزيفة إلى ملف ضغط دولي يكشف النفاق ويعيد الحقوق الوطنية إلى نصابها الصحيح. أي خرقللالتزامات المفروضة على إسرائيل يجب أن يُفضح فوراً إعلامياً ودبلوماسياً، ويحوّل المبادرة إلى أداةتكشف الزيف الأمريكي–الإسرائيلي أمام العالم. فلسطين تثبت من خلال هذا الموقف أنها ليست طرفاًضعيفاً يخضع للابتزاز السياسي، بل لاعب قادر على فرض شروطه، وإعادة تعريف السلام والحقوقالوطنية في ضمير المجتمع الدولي، بحيث يُصبح الاحتلال هو المعطل والمقاومة هي القوة الحقيقية،وواشنطن شريك في الظلم وليس في الحل.














