خدعة “المجانية” وواجب الانتصار الفلسطيني
12 Sep 2025

في فلسطين اليوم، حيث يُسفك الدم يوميًا وتُهدم البيوت بلا توقف، يطل خطاب “المجانية” كخدعةقاتلة، تظهر أحيانًا من بعض الأصوات التي تشكك في جدوى المقاومة أو تقلل من قيمة السلاح، أو تدعوإلى الانسحاب والتخلي عن أي دور ميدانيهؤلاء لا يدركون، أو يتغاضون، عن حقيقة واحدة أن كل قطرةدم أُريقت على هذه الأرض، وكل شهيد قضى دفاعًا عن كرامة وطنه، تجعل الانتصار واجبًا لا تراجع عنه،وتجعل التفريط فيه جريمة تاريخية.  فقد سبق  الشهيد صلاح خلف (أبو إياد)  بقوله “الشعبالفلسطيني يكتب تاريخه بدمه، ومن يتجاهل هذا الواقع يُسقط نفسه في فخ التفريط والخداع.”


المجاهد، المناضل، والمقاتل كلمات ثلاث لمعنى واحد، وهذه الثلاث تتحقق بوضوح في كتائب القساموإخوانهم المقاتلين من الفصائل الفلسطينيةهؤلاء الذين يرفعون السلاح ويمتلكون الإرادة والوعي لاينتظرون أن تُمنح لهم الحرية أو الكرامة، بل ينتزعونها بدمهم وصبرهم وصلابتهمكما قال الشهيد يحيىالسنوار  “الدم الفلسطيني الذي أُريق على أرض غزة لا يمكن أن يذهب سدى، وكل من يقف متفرجًا أويتحدث عن الاستسلام يسيء لدماء الشهداء.” كل قطرة دم هنا ليست مجرد خسارة، بل شهادة على أنالحرية لا تُستعاد إلا بالتضحية والوعي الجماعي.


الخطاب الذي يختزل القيم الكبرى إلى شعارات فارغة – إسلام مجاني، وطن مجاني، كرامة مجانية، عزمجاني – هو سلاح نفسي قاتل يقتل معنى الوطن قبل أن يقتل الأجسادالمجانية ليست براءة، بل وهمقاتل يُسهّل للعدو قتل الجسد وإفراغ الوعيكما شدد إدوارد سعيد، “الوعي بالاحتلال والمقاومة شرطلوجود شعب واعٍ، ومن هنا يتضح أن من يظن أن الوطن أو الكرامة يمكن أن يُستعادا بلا دم أو جهاديعيش وهمًا قاتلًا.


في هذا السياق، يحاول البعض اليوم تسويق فكرة الفصل بين حماس والمقاومة أو الفصائل الأخرى، كمالو أن الدم الفلسطيني ينتمي إلى جزء دون الآخر، أو أن النضال مسموح أن يُقسم إلى كيانات محددةهذه الدعوات خدعة ذكية هدفها تشتيت الوعي وإضعاف الروح المعنويةفالشهيد فتحي الشقاقي ، أكدعلى أن “الوحدة بين الفصائل والمقاومين ليست خيارًا بل ضرورة وجودية، وأي حديث عن فصلالمقاومة عن حركة بعينها هو خديعة تهدف لتفكيك مشروعنا الوطني.”


النقد البناء لسلوك المقاومة ليس محرمًا، بل واجب وطنيفالقدرة على تقييم الممارسات وتعزيز الأداءتضمن استمرارية الفعل المقاوم دون تقليل من قيمة الدم الذي أُريق. “فالمقاومة ليست فقط سلاحًا،بل عقلية وإرادة شعبية، وهي المشروع الوحيد القادر على حماية الهوية والكرامة الوطنية.”  فصدحبذلك الراحل جورج حبش مما  يوضح أن النقد البنّاء يجب أن يهدف إلى تعزيز الوحدة وتحسينالفاعلية، لا لتفكيك المشروع الوطني أو تشويه الدم الفلسطيني.


الكلمة الفلسطينية، كما هو المقاتل في الميدان، تصبح فعلًا مقاومًا لا يقل أهمية عن السلاحكل خطابواعٍ، كل تحليل مستنير، وكل كلمة ترفع معنويات الشعب هي طلقة في معركة الوعيفترانيم غسانكنفاني ، تقولالقلم والفكر مقاومة، والوعي الثقافي والفني جزء من المشروع الوطني، لا يقل أهمية عنالمقاومة المسلحة.” وهذا يجعل الكلمة الفلسطينية محطة نضالية حقيقية، تحمي الدم، وتوجهالتضحيات نحو النصر، وتفضح محاولات التشويه والانسحاب النفسي.


تجربة الشعب الفلسطيني، من غزة إلى الضفة، تثبت أن الدم الذي أُريق لا يذهب سدىكل شهيد، كلإصابة، وكل معركة صغيرة أو كبيرة، تشكل شهادة حيّة على وحدة المشروع المقاومفرسم معلمها فيالطريق الى القدس الشهيد إبراهيم المقادمة حين قال “الوحدة بين الفصائل والمقاومين ليست خيارًا،بل ضرورة حيويةأي محاولة لتفكيكها هي خدمة للعدو وليس للشعب.”

فألهـب الشهيد  الشقاقي رحمه الله بقوله أن المقاومة ليست مجرد سلاح، بل مسؤولية وطنية وأخلاقيةكل دم يُراق على أرض فلسطين يفرض على الشعب أن يقف موحدًا، وأن يحمي تضحيات الشهداء.” هذايعيد التأكيد على أن الدم الفلسطيني ليس مجرد خسارة عابرة، بل التزام بالانتصار وحماية المشروعالوطني بأكمله.


في شوارع الوطن، لم يعد مقبولًا أي حديث عن الحقوق بلا ثمن، أو أي قبول بخدعة المساومة، أو أيحديث عن فصل المقاومة عن حماسكل قطرة دم أُريقت تفرض علينا أن نحميها، وأن نحولها إلىانتصار حقيقي، وأن نثبت أن الحرية والكرامة باهظتان الثمن، لكنهما وحدهما تستحقان كل التضحيةالكلمة الواعية والقدرة على النقد البناء، والتواصل مع الدم الفلسطيني، هي ما يحفظ وحدة المشروعالمقاوم ويحول التضحيات إلى انتصار سياسي وعسكري ومعنوي.

المواضيع ذات الصلة
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الثقافي والاعلامي
مفهوم المقاومة الفلسطينية وطوفانها
07 Oct 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الثقافي والاعلامي
طوفان الأقصى عامان من الوعي المقاوم إلى ميلاد مرحلة جديدة للحقوق الفلسطينية
07 Oct 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
الخديعة الكبرى: كيف شرعنّت واشنطن ضم الضفة وخطّت تهجير فلسطين — ترامب مهندس المصيدة
02 Oct 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الثقافي والاعلامي
المبادرة الأمريكية: غطاء للانتصار الرمزي للاحتلال أم اختبار للقوة الفلسطينية؟
02 Oct 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الثقافي والاعلامي
‎استراتيجية الاحتلال الثابتة ضد الاعترافات بالدولة الفلسطينية
22 Sep 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
المطلوب من قادة العرب في قمة الدوحة
13 Sep 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الثقافي والاعلامي
ماذا ينتظر الخليج بعد الفخاخ الأربعة؟
12 Sep 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
الاغتيالات الإسرائيلية قوة متوهَّمة أم إقرار بالضعف البنيوي؟
10 Sep 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الثقافي والاعلامي
من الأونروا إلى إمارة الخليل: استراتيجيات تفكيكالمرجعية الفلسطينية واستشراف مآلاتهام
07 Sep 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
مصر مركز الحسم في الصراع الإقليمي
07 Sep 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الثقافي والاعلامي
تركيا بين التدخل الإقليمي ومسؤولياتها التاريخية تجاه فلسطين
05 Sep 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
منظمة شنغهاي والتداعيات المحتملة على واقع الحرب في غزة
02 Sep 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الثقافي والاعلامي
اللاءات الأمريكية وثروة غزة، الجيوسياسة والبديل الطاقوي
30 Aug 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الثقافي والاعلامي
غزة وتآكل القوة الناعمة الأمريكية عالمياً
28 Aug 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
من غيتو وارسو إلى غيتو رفح: مخطط الاحتلال لقتل وتهجير أهل غزة
24 Aug 2025