في فلسطين اليوم، حيث يُسفك الدم يوميًا وتُهدم البيوت بلا توقف، يطل خطاب “المجانية” كخدعةقاتلة، تظهر أحيانًا من بعض الأصوات التي تشكك في جدوى المقاومة أو تقلل من قيمة السلاح، أو تدعوإلى الانسحاب والتخلي عن أي دور ميداني. هؤلاء لا يدركون، أو يتغاضون، عن حقيقة واحدة أن كل قطرةدم أُريقت على هذه الأرض، وكل شهيد قضى دفاعًا عن كرامة وطنه، تجعل الانتصار واجبًا لا تراجع عنه،وتجعل التفريط فيه جريمة تاريخية. فقد سبق الشهيد صلاح خلف (أبو إياد) بقوله “الشعبالفلسطيني يكتب تاريخه بدمه، ومن يتجاهل هذا الواقع يُسقط نفسه في فخ التفريط والخداع.”
المجاهد، المناضل، والمقاتل كلمات ثلاث لمعنى واحد، وهذه الثلاث تتحقق بوضوح في كتائب القساموإخوانهم المقاتلين من الفصائل الفلسطينية. هؤلاء الذين يرفعون السلاح ويمتلكون الإرادة والوعي لاينتظرون أن تُمنح لهم الحرية أو الكرامة، بل ينتزعونها بدمهم وصبرهم وصلابتهم. كما قال الشهيد يحيىالسنوار “الدم الفلسطيني الذي أُريق على أرض غزة لا يمكن أن يذهب سدى، وكل من يقف متفرجًا أويتحدث عن الاستسلام يسيء لدماء الشهداء.” كل قطرة دم هنا ليست مجرد خسارة، بل شهادة على أنالحرية لا تُستعاد إلا بالتضحية والوعي الجماعي.
الخطاب الذي يختزل القيم الكبرى إلى شعارات فارغة – إسلام مجاني، وطن مجاني، كرامة مجانية، عزمجاني – هو سلاح نفسي قاتل يقتل معنى الوطن قبل أن يقتل الأجساد. المجانية ليست براءة، بل وهمقاتل يُسهّل للعدو قتل الجسد وإفراغ الوعي. كما شدد إدوارد سعيد، “الوعي بالاحتلال والمقاومة شرطلوجود شعب واعٍ”، ومن هنا يتضح أن من يظن أن الوطن أو الكرامة يمكن أن يُستعادا بلا دم أو جهاديعيش وهمًا قاتلًا.
في هذا السياق، يحاول البعض اليوم تسويق فكرة الفصل بين حماس والمقاومة أو الفصائل الأخرى، كمالو أن الدم الفلسطيني ينتمي إلى جزء دون الآخر، أو أن النضال مسموح أن يُقسم إلى كيانات محددة. هذه الدعوات خدعة ذكية هدفها تشتيت الوعي وإضعاف الروح المعنوية. فالشهيد فتحي الشقاقي ، أكدعلى أن “الوحدة بين الفصائل والمقاومين ليست خيارًا بل ضرورة وجودية، وأي حديث عن فصلالمقاومة عن حركة بعينها هو خديعة تهدف لتفكيك مشروعنا الوطني.”
النقد البناء لسلوك المقاومة ليس محرمًا، بل واجب وطني. فالقدرة على تقييم الممارسات وتعزيز الأداءتضمن استمرارية الفعل المقاوم دون تقليل من قيمة الدم الذي أُريق. “فالمقاومة ليست فقط سلاحًا،بل عقلية وإرادة شعبية، وهي المشروع الوحيد القادر على حماية الهوية والكرامة الوطنية.” فصدحبذلك الراحل جورج حبش مما يوضح أن النقد البنّاء يجب أن يهدف إلى تعزيز الوحدة وتحسينالفاعلية، لا لتفكيك المشروع الوطني أو تشويه الدم الفلسطيني.
الكلمة الفلسطينية، كما هو المقاتل في الميدان، تصبح فعلًا مقاومًا لا يقل أهمية عن السلاح. كل خطابواعٍ، كل تحليل مستنير، وكل كلمة ترفع معنويات الشعب هي طلقة في معركة الوعي. فترانيم غسانكنفاني ، تقول“القلم والفكر مقاومة، والوعي الثقافي والفني جزء من المشروع الوطني، لا يقل أهمية عنالمقاومة المسلحة.” وهذا يجعل الكلمة الفلسطينية محطة نضالية حقيقية، تحمي الدم، وتوجهالتضحيات نحو النصر، وتفضح محاولات التشويه والانسحاب النفسي.
تجربة الشعب الفلسطيني، من غزة إلى الضفة، تثبت أن الدم الذي أُريق لا يذهب سدى. كل شهيد، كلإصابة، وكل معركة صغيرة أو كبيرة، تشكل شهادة حيّة على وحدة المشروع المقاوم. فرسم معلمها فيالطريق الى القدس الشهيد إبراهيم المقادمة حين قال “الوحدة بين الفصائل والمقاومين ليست خيارًا،بل ضرورة حيوية. أي محاولة لتفكيكها هي خدمة للعدو وليس للشعب.”
فألهـب الشهيد الشقاقي رحمه الله بقوله أن المقاومة ليست مجرد سلاح، بل مسؤولية وطنية وأخلاقية. كل دم يُراق على أرض فلسطين يفرض على الشعب أن يقف موحدًا، وأن يحمي تضحيات الشهداء.” هذايعيد التأكيد على أن الدم الفلسطيني ليس مجرد خسارة عابرة، بل التزام بالانتصار وحماية المشروعالوطني بأكمله.
في شوارع الوطن، لم يعد مقبولًا أي حديث عن الحقوق بلا ثمن، أو أي قبول بخدعة المساومة، أو أيحديث عن فصل المقاومة عن حماس. كل قطرة دم أُريقت تفرض علينا أن نحميها، وأن نحولها إلىانتصار حقيقي، وأن نثبت أن الحرية والكرامة باهظتان الثمن، لكنهما وحدهما تستحقان كل التضحية. الكلمة الواعية والقدرة على النقد البناء، والتواصل مع الدم الفلسطيني، هي ما يحفظ وحدة المشروعالمقاوم ويحول التضحيات إلى انتصار سياسي وعسكري ومعنوي.














