قبل الولوج في افتتاح اجتماع المجلس المركزي وكلمة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، يلفت النظر أن الاجتماع جاء بعد أكثر من عام ونصف من الإبادة المستمرة في قطاع غزة، كما أنه اقتصر على مجموعة فلسطينية لا تمثل الإجماع، وتبحث منذ سنوات عن استمرار التفرد والإقصاء.
وبما أن المقال يُقرأ من عنوانه، فإن كلمة الرئيس جاءت أكثر قبحًا من التفرد والإقصاء، إذ لا يزال عباس يبحث عن رضا نتنياهو، الذي يرفض وجوده أصلًا، ويسعى لتدمير أي وقائع ميدانية أو سياسية تسعى للاعتراف بمبدأ الدولة الفلسطينية.
في خطابه، اتهم عباس حركة حماس بأنها من قدمت الذريعة للاحتلال للقضاء على قطاع غزة وتنفيذ مخططات تصفية القضية الفلسطينية، كما وصف حماس بـ"أولاد الكلب" وسط تصفيق الحضور، وطالبهم بتسليم الأسرى الإسرائيليين لوقف الذرائع الإسرائيلية لاستمرار حرب الإبادة على القطاع.
لكن عباس، الذي يبحث عن العيش في كنف المجرم نتنياهو، لم يدرك أن مثل تلك الكلمات ستزيد من نهم الاحتلال في التغول على الدم الفلسطيني والحق الفلسطيني والأرض الفلسطينية. فمن يمثل السلطة الفلسطينية في المحافل الدولية يتبنى الرواية الإسرائيلية المتطرفة، ويلقي اللوم على الجانب الفلسطيني، ويطالبهم بتسليم الأسرى دون مقابل.
وبالرجوع إلى التاريخ الذي يتغافل عنه عباس وزمرته، فإن كلمات الرئيس الفلسطيني تعيد إلى الأذهان الخطاب اللبناني الذي اتهم منظمة التحرير الفلسطينية بتدمير لبنان قبل الخروج من بيروت وتسليم السلاح.
وبواقع التاريخ، فإن الرضوخ للمطلب الإسرائيلي، والتسليم بالواقع، والخروج من لبنان، وسد الذرائع التي تفوه بها عباس، كانت أسبابًا لمزيد من الإجرام، وكانت مذبحة صبرا وشاتيلا أبرز عنوان له.
وبدلائل الواقع المرير، فإن عباس، الباحث عن رضا نتنياهو، والمتفاخر بالعيش تحت بساطير الاحتلال منذ توليه منصب الرئاسة خلفًا للراحل ياسر عرفات، يشهد على أن الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية تنزف، وتقضم، ويحاصرها الاستيطان، دون أي مبررات ساقها عباس على المقاومة، في مساعٍ لتصفية القضية.
ولم يكن هناك أسرى إسرائيليون لدى المقاومة الفلسطينية في غزة عندما أطلق ترامب "صفقة القرن" في ولايته الأولى، ولم يكن عدد المستوطنات في ازدياد عندما وقع السابع من أكتوبر.
كما أن عباس، الذي اتهم في خطاباته حركة حماس بأنها السبب في تغول الاحتلال، لم تكن هي ذاتها التي منعته أو أخرت سفره من رام الله إلى سوريا للقاء أحمد الشرع قبل أيام.
وعليه، فإن من كان ينتظر من باحث عن رضا الاحتلال منذ أكثر من عشرين عامًا أن يؤيد المقاومة بمختلف أشكالها، فهو واهم. ومن يأمل أن يحقق عباس مصالحة فلسطينية لمنع الاحتلال من التغول على قطاع غزة، فهو أيضًا حالم، وغارق في حلم يبعده عن الواقع.














