بإعتقادي أنه في العقدين الأخيرين، قد أثبتت تركيا قدرتها على تحقيق مصالحها الإقليمية بفاعلية، وذلك من خلال المزاوجة بين القوة الناعمة والدبلوماسية والقدرات العسكرية. وتجلى ذلك من خلال تطبيق هذه الاستراتيجيات في كل من: ليبيا، الصومال، سوريا، وأذربيجان حيث أظهرت ديناميكية سياسية واستراتيجية مكّنت أنقرة من تعزيز نفوذها بعيداً عن الخطابات التقليدية.
وبالرغم من ذلك، من المستهجن أن يبقى التعامل التركي مع القضية الفلسطينية، وخصوصاً تجاه غزة، مقتصراً إلى حد كبير على الأبعاد الرمزية دون تفعيل إجراءات عملية ملموسة. كون أن الخطاب التركي الواضح لدعم القضية الفلسطينية لم يصل بعد إلى مستوى يشكل تحدياً للنفوذ الأمريكي، ما يبرز فجوة استراتيجية تحتاج إلى معالجة عاجلة. خاصة إذا ما نظرنا للدين التاريخي لغزة في عنق الدولة التركية، وكذلك العلاقة التاريخية مع القدس وأكنافها.
وعليه يرى كثيريين من النخب الفلسطينية والعربية وكذلك التركية أنه مع الاعتراف الدولي المتزايد بالدولة الفلسطينية، تُتاح أمام تركيا فرصة ثمينة لتحويل موقفها التاريخي إلى خطوات عملية، مثل دعم غزة عبر *ترسيم الحدود البحرية* بالتعاون مع الفلسطينيين. وهنا يجدر القول بأن تبني هذه المبادرات لن يعزز فقط موقع تركيا الإقليمي، بل سيظهرها أيضاً كقوة قادرة على اتخاذ إجراءات جريئة ومسؤولة، كما فعلت في أقاليم أخرى ويعزز مكانتها في المنطقة.
ولعل المقارنة بين نجاحات تركيا الإقليمية وموقفها المحدود تجاه فلسطين توضح أن أنقرة تمتلك القدرات اللازمة لتحويل التزاماتها التاريخية إلى سياسات عملية. ويمكنها كذلك الاستفادة من الخبرات السابقة وتعميق النقاش حول الأولويات وبالتالي يمكن أن يدفع ذلك نحو مقاربة جديدة تجعل المواقف الرمزية جزءاً من سياسة أكثر فاعلية واستدامة.
*وبالتأسيس على ما سبق، أوصي صانعي القرار التركي بـ:*
1. تطوير خارطة طريق عملية لدعم غزة تشمل إجراءات دبلوماسية واقتصادية وتقنية قابلة للتنفيذ.
2. استثمار النجاحات المستخلصة من تدخلات تركيا الإقليمية لتطبيق نموذج مشابه في فلسطين.
3. دعم حقوق فلسطين البحرية من خلال ترسيم الحدود بمشاركة فاعلة تعزز المصالح المشتركة.
4. التركيز على القوة الناعمة عبر مشاريع تعليمية واقتصادية وإعلامية تُبرز تركيا كونها قوة مسؤولة وداعمة للقضايا الإنسانية.
*ومما لا شك فيه أن تركيا اليوم أمام تحدٍ كبير:* متعلق بتحقيق التوازن بين توجهاتها الإقليمية ومسؤولياتها التاريخية تجاه القضية الفلسطينية. وباتخاذها خطوات جريئة وعملية يمكن أن يحوّل الرمزية إلى استراتيجية دائمة تُحكم موقع تركيا كفاعل إقليمي ودولي مؤثر على المستويين الإقليمي والدولي.














