برز تشرشل رئيس وزراء بريطانيا إبّان الحرب العالمية الثانية، حيث قاد صراعاً وجودياً مع ألمانيا النازية. حيث اعتمدت سياسته على المجازفة القصوى في مواجهة هتلر مع عدم تقديم تنازلات مبكرة، بل إنهشدّد على الثبات على مواقفه حتى آخر لحظة.
*لماذا نجح تشرشل؟*
نجح لأنه كان يواجه عدواً خارجياً واضحاً يهدد بريطانيا وجودياً. بينما كان يحظي بدعم شعبي واسعلخطابه التعبوي القوي. في نفس الوقت استطاع استمالة الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي إلىجانبه، أي أنه لعب ورقة التحالفات الذكية.
وهنا يجدر القول أن ميزان القوة الدولي تطور بشكل متلاحق ليميل لصالحه (انخراط أمريكا في الحربغيّر المعادلة جذرياً).
وبالنظر إلى *نتنياهو نجد أنه يستخدم نفس تكتيك تشرشل المعروف بـ "تكتيك حافة الهاوية"* في إدارةالمعركة عبر المفاوضات الإقليمية والدولية، سواء مع حـ.ماس، أو مع الولايات المتحدة، أو في حتىبتعاطيه مع ملف إيران. حيث يوظف المفاوضات لانتزاع مواقف تخدم أهدافه في الميدان.
وعليه يمكن التنويه بأن *تكتيك حافة الهاوية يعتمد بشكل أساسي على:* سياسة التصعيد المتواصلحتى آخر لحظة لأجل انتزاع مكاسب سياسية وأمنية. تزامناً مع مواصلة التلويح بالذهاب لتوسعة العملالعـسكري (غزة، إيران) بهدف كسب تنازلات تحت الضغط. معتمداً على *"نظرية ماكلوهان"* وغيرها فيالتأثير والتي ترتكز على *التكرار المستمر لمصطلحات الحسم، النصر المطلق، سحق العدو* وما شابه،وهذا ما يُلمس من سلوك نتنياهو منذ قرابة العامين.
*عدا عن استغلاله حالة الانقسام الدولي بين واشنطن والعواصم الأخرى.*
*لكن إذا ما أردنا تسليط الضوء على الفارق بين "تشرشل" ونقيضه "نتنياهو" نجد أن:*
إسرائيل ليست في وضع تهديد "وجودي" مشابه لوضع بريطانيا زمن الحرب مع ألمانيا؛ لكنها تواجه علىالأقل تحدّيات سياسية وأمنية مركّبة تهدد دورها الوظيفي في المنطقة ما قد يفقدها فعاليتها وحضورهاالإقليمي والدولي.
بينما على صعيد الداخل الإسرائيلي فإنه منقسم داخلياً، مما يضعف فعالية التكتيك وهو على عكس ماكان عليه الداخل البريطاني ابّان الحرب.
مقابل ذلك فإن البيئة الدولية الحالية تعد أقل تقبّلاً للمغامرات المطلقة، كما أن غالباً هناك حدود لمايمكن أن تتيحه واشنطن أو القوى الكبرى لنتنياهو. وهو ما قد نلمسه قريباً من تحوّل في المسارالأمريكي الداعم لنتنياهو وحكومته تحديداً.
وعليه يمكنني القول أن *في الملف الفلسطيني، غالباً "تكتيك حافة الهاوية" لن يؤدي سوى إلى تعقيدإضافي للمشهد بدلاً من تحقيق الانتصار المطلق والحاسم،* لأن طرفي الصراع محكومان بقيودديموغرافية و جيوسياسية. وإذا ما أردنا البحث عن وجه المقارنة بين الإثنين.
*أما على صعيد المخاطرة القصوى فإن تشرشل ونتنياهو:* كلاهما يعتمد على دفع الخصم إلى الحافةلإجباره على التنازل.
كذلك *على صعيد الخطاب الشعبوي:* فإن الاثنان يستثمران في الخطاب القوي لتحشيد الداخل.
ولكن على *صعيد التوازن الدولي:* فإن "تشرشل" قد استفاد من تغيّر ميزان القوى العالمي، بينما"نتنياهو" يعتمد على تحالف ثابت مع (أمريكا) وهو في الوقت ذاته هشّ داخلياً.
*السؤال الذي يطرح نفسه هل سينجح "نتنياهو" كما نجح "تشرشل" في تحقيق النصر المطلق؟*
التجربة تفيد بأن نجاح تشرشل كان رهناً بظروف استثنائية تمثلت بـ : *عدو خارجي مشترك + تحالفدولي + خطاب ملهم للشعب.*
في المقابل *نتنياهو يفتقد هذه التركيبة* كونه وضع إسرائيل في مواجهة على عدة جبهات (غزة، إيران،اليمن، الداخل الفلسطيني والضفة، الرأي العام العالمي، والمؤسسات الدولية).
في ظل أن الداخل الإسرائيلي منقسم بحدّة. كما أن التحالفات الدولية لإسرائيل ليست مطلقة، بلمشروطة غالباً وضاغطة أحياناً.
*لذا: من المستبعد أن يحقق "نتنياهو" ما حققه "تشرشل"، بل غالباً قد ينقلب تكتيكه إلى مأزق كونتلك المحاولة في استنساخ تكتيك حافة الهاوية سيفضي إلى فشله وحكومته في إدارة التوازن بينالمغامرة والواقعية.*
وعليه فإن تشرشل نجح لأن *"حافة الهاوية"* عنده كانت مدعومة بعوامل قوة داخلية وتحالفاتخارجية وبمواجهة وجودية واضحة.
*أكرر .. أن محاولة "نتنياهو" استنساخ نفس التكتيك في عدوانه على الفلسطينيين تجري في بيئةمختلفة تمامًا، ما يجعل فرص نجاحه شبه مستحيلة، واحتمالات ارتداد ذلك عليه أكبر. وهذا الاستمرارالمتواصل بالمحاولة الفاشلة من شأنه الدفع به وحكومته إلى سقوطٍ مدوّٕ قريب يمنح الفرصةللمنافسين الإقليميين من المسارعة لملء الفراغ واقتناص الدور، ولكن ضمن نسق قوى إقليمي مختلفتماماً عن النسق الإقليمي الراهن.
*وهو ما أود الكتابه حوله لاحقاً.*














