تشير التصدعات التي تطال تركيبة الحكومة اليمينية في إسرائيل، لا سيّما ما يعبّر عنه من تضارب علني في المواقف بين المستوى العسكري والسياسي، إلى لحظة اضطراب تتجاوز كونها مؤقتة. ورغم أن هذا لا يعني بالضرورة انهيارًا كليًا في بنية الحكم، إلا أنه يطرح أمام صانع القرار الفلسطيني فرصة نادرة لإعادة تقييم الأدوات المستخدمة، والتحرّك بعقلانية استراتيجية تواكب المتغيرات.
فالانتصار لا يُقاس فقط بالميدان، بل بمدى قدرة الفاعل الفلسطيني على تثبيت حضوره في جداول المصالح الإقليمية والدولية، وعلى إعادة صياغة موقعه ضمن سردية المستقبل. وفي لحظة كهذه، يغدو من الضروري مغادرة منطق ردّ الفعل، والانخراط في هندسة خطاب وطني عقلاني، يستند إلى الشرعية القانونية، ويطرح رؤية واقعية قابلة للتداول الدبلوماسي، دون الاستغراق في الخطابة أو الانفعال.
يتطلّب هذا التحول إعادة ضبط المسارات الفلسطينية ضمن ثلاثة اتجاهات مترابطة: أولاً، تطوير الخطاب الفلسطيني الخارجي بما يعبّر عن استعداد عقلاني للدخول في مسارات سياسية مشروطة بإنهاء الاحتلال والعدوان، بعيدًا عن الشعبوية. ثانيًا، توسيع هامش التحرك الإقليمي والدولي عبر شراكات قائمة على تقاطع المصالح مع الفواعل المتضررة من استمرار الصراع. وثالثًا، توظيف تآكل الشرعية الإسرائيلية الداخلية كأداة ضغط دبلوماسي ممنهج في الساحات المؤثرة دوليًا.
ولا يمكن لهذا التوجه أن يُنتج أثرًا فعليًا دون مراجعة شاملة للمشروع الوطني الفلسطيني، تُعيد تعريف أهدافه في ضوء التحولات الجيوسياسية، وتعزّز منطق القيادة الجامعة التي توازن بين الثوابت والواقع، وتبني وحدة سياسية تمثيلية لا تتنازعها المرجعيات أو الولاءات.
كما أن محدودية الحركة الرسمية الفلسطينية أو تحفّظ بعض الأطراف الإقليمية يجب ألا تُشكل عائقًا أمام طرح رؤية وازنة تخدم مصالح جميع الأطراف، خاصة في ظل المناخ الدولي الساعي لإعادة تشكيل توازنات المنطقة.
إن الاستفادة من لحظة الارتباك الإسرائيلي لا تكمن في تسجيل نقاط ظرفية، بل في تحويل اللحظة إلى فرصة استراتيجية لتثبيت موقع سياسي فلسطيني متماسك، قادر على المناورة والتأثير، ضمن معادلة إقليمية ودولية تتغير بسرعة. فالعقل السياسي الذي يُدرك كيف يقرأ ضعف خصمه، هو وحده المؤهل لبناء قوة ذاتية مستدامة.














