الحربُ الخمسيَّة على غزة وتبادل الأدوار لمَ هذا والمستهدَفُ جائعٌ وأعزل؟!
03 Aug 2025

مقدمة

يبدو أننا في حربٍ عالميةٍ ثالثةٍ على غزة، ولعلَّ هذه الحرب الخمسيَّة التي تأتي من أنحاء متفرقة محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا للقضاء على المقاومة الفلسطينية تدلِّل على النيَّة السوداوية والرغبة المبيَّتة لإسقاط المقاومة وتسليم السلاح.

لكنَّ المعضلة تكمنُ في أنَّ الحربَ الحاليةَ ليست ضدَّ المقاومة؛ وإنما ضدَّ الحجر والبشر! أما المقاومة فلا تزال تقاوم من أنفاقها منذ قريبًا من عامين.

هذه الحرب لا تعبِّر عن شيء إلا عن مفهومٍ واحد، واستراتيجية سلبية وهي "التطبيع الوظيفي" لصالح الكيان، إذ إنَّ استراتيجية السلطةَ تعيش على تأمينِ الكيان نظيرَ ما يسمى السلام والدعم المالي.

وهذا يظهر جليا في تعامل السلطة مع الشعب في غزة والضفة وفي ظل الحرب ومن هنا نتساءل:

⁉️من الذي أوعز للبنوك الفلسطينية في غزة بعدم التعامل مع الأموال المهترئة والموجودة في غزة وصناعة أزمة في السيولة المالية؟.


⁉️ومن الذي لاحق مسيرات التأييد نصرة لأهل غزة وإيقاف جمع التبرعات لها.


أما الحكومات العربية سيما "الرباعية العربية"وهي(مصر-الأردن-السعودية-الإمارات)؛ فإنَّ القضاءَ على المقاومةِ الفلسطينية من أبرز أمنياتها، وتدعو إليها بطريقة مباشرة أو تكتيكية، وهي لصالحها حتى لا يكون هناك من يعارض الكيان -المطبَّع معها في المجالات كلِّها سيَّما الأمنية والعسكرية- وليس بسبب المجاعة السائدة في غزة أو لإيقاف نزيف الدم الذي ينزف منذ 22شهرا، وهم لا يحركون ساكنًا.


🔶 الحرب.. من كلِّ حدَب وصوب

بعد تجميدِ المفاوضات وتعليقِها بسبب تعنُّتِ المقاومة -كما يزعمُ الكيان- ومعه "ويتكوف" بشأن المناطق العازلة والمدينة الإنسانية أخذ الكيانُ لإعدادِ خططٍ جديدة في المطبخ الأميركيِّ بنكَهَاتٍ جديدة تحاربُ السكان والبنيان، بديلًا مؤثرًا عن المقاومة الفلسطينية التي لا تظهر إلا عند كمين محكم أو فيديو مؤثر أو خبر مرعب.

وبالتالي؛ فإنَّ سحبَ الجيش فِرَقٌ وألويةٌ -غير مرة- في الأونة الأخيرةإلى الحدود وخارج الغلاف -كاستراحة مقاتل- بعد معركة الاستنزاف ومقصلة الكمائن، والخسائر البشرية الكبيرة في صفوفه. فصنعت عشرات الخطط لإسقاط، ولعل آخرها هي حربُ الجوعِ بهندسةٍ محكمةٍ مع إظهارِ الصورة المشرقة لـ"نتنياهو" حين دعا العالم بإسقاط المساعدات الإنسانية جوًا، وبعد المشهد التمثيلي الهزلي لـ"ويتكوف" على بوابة المساعدات الأمريكية في "نقاط الموت والجوع"!.

هذه اللعبة السياسية نجحت بلا شكّ أمام الإعلام الغربي، لكنَّ المقاومةَ سرعان ما تقتنص الفرص، سيَّما عند تزييف الحقائق وليّ عنق الواقع مثلما قال "ويتكوف": لا توجد مجاعة في غزة، ولكن هناك نقص في الأغذية، فكان رد المقاومة جاهزا. فقد أفشلت هذه الصور المفبركة واللعبة السياسية، والخديعة الأمريكية

بإخراج فيديو لأسير طاله الجوع فأصبح هيكلا عظميًّا يحاكي واقعَ غزةَ ومأساته، والتي حرَّكت مِلَف دعم غزة بمزيد من المساعدات الإنسانية والمتنوعة، ومن ناحية أخرى فقد طالب "نتنياهو" من الصليب الأحمر إدخالَ المساعدات إلى الأسرى، مما جعل المقاومة تستثمر الفرصة لصالحها وترد إيجابيا نظير إدخال المساعدات الإنسانية بالطريقة السليمة السابقة.


🔶 الحرب وتبادل الأدوار 

إنَّ صمت العرب والغرب على الحرب من سيميائيات المشاركة وعلاماتها غير المباشرة مع الكيان. ثم إنَّ المشاركة بالسلاح -كأمريكا- أو بالتأمين الجوي -كقطر- أو بدعوة إسقاط حماس -كمصر وقطر والأردن- أو بدعوة المقاومة بتسليم السلاح -كالسلطة الفلسطينية وفرنسا- أو بالسكوت المريب -كجامعة الدول العربية- كلُّ ذلك من علامات المشاركة الفاعلة والفعَّالة في هذه الحرب.

 إنَّ تبادل الأدوار بشكل جيد ومسبَّك بين كل هؤلاء المطيعين والمطبعين والداعمين للكيان كما العادة منذ وجود الكيان.

فويتكوف يدافع عن الكيان بطريقة مباشرة وغير مباشرة وذلك بقوله: لا مجاعة في غزة وإنما نقص في الأغذية.

 أما ترمب فيقول المقاومة الفلسطينية تعاند وأفشلت الصفقة وسنتخذ خطوات وسبل وخيارات جديدة.

أما السلطة الفلسطينية فقد استفزت الشرق الأوسط بأسره لتعلن عن الانتخابات وتدعو المقاومة لتسليم السلاح والخروج من غزة.

أما أوروبيا فإنَّ التحركات لا شك مثمرة وغير مسبوقة لكن هي كمن يدس السم في الدسم، أو يحمل العصا من أوسطها جاعلة الكيان وغزة في دائرة واحدة هي دائرة النزاع والصراع ولا بد من (وهم السلام)، لذا رأينا فرنسا تدعو لإيقاف الحرب وإدخال المساعدات، ومقابل ذلك تسليم السلاح، مع أنه هذا يستنطقنا: 

⁉️لم تسلم المقاومة المدافعة السلاح ولا يسلمه الكيان الغاصب للأرض؟.

أما بريطانيا فقد استعدت للاعتراف بدولة فلسطينية لكن لم تتجاوز هذه الرمزية حيث لم يحدث تغيير جذري وواقعي يعفيها ولو قليلا من خطيئة ذلك الوعد المشأوم وعد بلفور.

ومن زاوية أخرى فإننا نرى الرباعية العربية -أو الخماسية العربية الإسرائيلية- اتفقوا وطلبوا نزع السلاح من قبل المقاومة وهذا الذي يتمناه الكيان.

فضلا عن أن هذا يتوافق مع المبادئ العامة والعقائد الاستراتيجية في قاموس السلطة الفلسطينية إذ إن قادة السلطة اشترطت نزع السلاح وخروج المقاومة من غزة مقابل إيقاف الحرب وكأنها الناطق الرسمي باسم الكيان.

لكن تبقى الأسئلة قائمة ومطروحة على طرقات التاريخ وأبواب الجغرافيا ونوافذ السياسة:

⁉️لماذا تسلم المقاومة الفلسطينية سلاحها رغم شرعيته ومقاوم للمحتل؟

⁉️هل التحرير الذي تدعو إليه منظمة التحرير صاحبة الطلقة الأولى يأتي بغير سلاح؟

وهل اندحر الكيان من فلسطين حتى تسلم المقاومة السلاح.

⁉️هل ثبت في التاريخ وعالم السياسة أنَّ دولة سلمت سلاحها وعاشت غير ذليلة؟

⁉️هل ثبت في العالم من مشارقه ومغاربه أن سلاح المقاومة عيب أو رذيلة أو فساد في وجه المحتل بغض الطرف عن جنسه ولونه وداعميه؟

⁉️هل المنظمات العالمية والحقوق الإنسانية والقوانين الوضعية تمنع صاحب الأرض أن يحمي نفسه ووطنه بسلاح هو سلاح الشعب؟

⁉️ماذا حدث حينما قامت الثورة الفلسطينية عند تسليمها السلاح وخروجها من بيروت عام 1983 وما تبعه في صبرا وشاتيلا؟.


🔶 اليوم التالي..شكله المحتمل

عمليا فإنَّ الكيان ومعه أمريكا لم ينجحوا بعد بالقضاء على المقاومة، ولا على الشعب والأرض، الذين هم عنوان هذه الحرب، فالحرب على السكان والبنيان لا على المقاومة التي حافظت على قوتها العسكرية والأمنية -رغم الخسائر البشرية والقيادية في صفوفها- منذ طوفان السابع من أكتوبر.

من هنا لا بد من الإجابة على الأسئلة التالية لنعلم إلى أين تتجه الأمور؟.

⁉️بعد وضع عشرات الخطط الحربية ولم يحقق سوى الأهداف الشكلية والاقتصادية والبيئية والخسائر البشرية والمادية التي هي خسارة كل حرب، بعيد عن مواقع المقاومة وسلاحها وأوراق قوتها، هل بإمكانه النصر المطلق في ختام جولته.

⁉️حين يبلغ العدو قمة التجويع والتدمير والتهجير دون نتيجة دامغة هل لديه طريق غير قاع الهزيمة والانسحاب والخضوع؟


يبدو أن شكل اليوم التالي سيكون أسودا قاتما وأبيضا ناصعا، أسودا لمن فقد أمنه وأمانه وعاد منهزما ولم يحقق سوى أهداف محدودة وأمتارا معددوة.

وأبيضا ناصعا لمن حافظ على سلاحه وعرضه وتشبث بأرضه وعاد لوطنه ونصب خيمته على أنقاض ركام بيته وزرع نباته ليثمر قوت يومه رغم وجود عدوه.

ستنتهي الحرب كما بدأت وغالبا ستغير الحكومة الحالية وتخلفها السلطة الفلسطينية بمراقبة عربية ودعم دولي ولربما السعودية ومصر وقطر من الدول المرشحة لمساندة السلطة الفلسطينية لإدارة غزة.

لكن هذا التغيير هو تغيير تحسيني للحياة في غزة لا يختلف عليه عاقلان، لكن إلى ذلك الحين لابد من ترويض للمواقف والقيادات محليا ودوليا لأن الهزيمة في حق جيوش العرمر وقوى الجيش الذي لا ينهزم وذوي العولمة والدكتاتورية والامبراطورية العالمية أمام الحلفاء والخصوم عسيرة جدا تحتاج إلى وقت كبير لقبول ذلك المنطق الجديد ، الأمر الذي يجعل الجميع يفكر:

⁉️ هل الكيان في خطر استراتيجي عميق نشتم منه رائحة النصر والتحرير؟.

المواضيع ذات الصلة
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
الخديعة الكبرى: كيف شرعنّت واشنطن ضم الضفة وخطّت تهجير فلسطين — ترامب مهندس المصيدة
02 Oct 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
المطلوب من قادة العرب في قمة الدوحة
13 Sep 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
الاغتيالات الإسرائيلية قوة متوهَّمة أم إقرار بالضعف البنيوي؟
10 Sep 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
مصر مركز الحسم في الصراع الإقليمي
07 Sep 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
منظمة شنغهاي والتداعيات المحتملة على واقع الحرب في غزة
02 Sep 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
من غيتو وارسو إلى غيتو رفح: مخطط الاحتلال لقتل وتهجير أهل غزة
24 Aug 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
جسراً للعبور لا سلماً للنزول
19 Aug 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
إسرائيل الكبرى": من الأساطير التوراتية إلى خرائط الهيمنة على الجغرافيا العربية
16 Aug 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الإقتصادي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي| المقال القانوني
بين برلين وغزة وفارق المساعدات الجوية
07 Aug 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
حين تُصبح المساعدات سلاحًا ضد الحقيقة قراءة في قرار ترامب وانهيار الرواية الصهيونية في الداخل الأميركي
05 Aug 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
قطاع غزة: بين ازمة المثقف الفلسطيني والعربي
31 Jul 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
ملاحظات حول مؤتمر نيويورك للاعتراف بالدولة الفلسطينية
31 Jul 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الإقتصادي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
‎الولايات المتحدة وتأجيج الصراعات الإثنية والقومية: تكتيك جيوسياسي لكبح الصين وتطويق الخصوم
27 Jul 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
طوفان الأقصى وتجلّيات القرار المصيري: قراءة معرفية في لحظة الحسم الفلسطيني
06 Jul 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
بين لحظة الطوفان واستراتيجية المستقبل: نحو تفكير بعيد عن أسر اللحظة
05 Jul 2025