أي خطوة سياسة تدعم إقامة دولة فلسطينية تمثل انتصارًا للحق الفلسطيني وثمرة طبيعية للصمود والتضحيات الفلسطينية المتواصلة وفي مقدمتها ما قدمته غزة من تضحيات غير مسبوقة سعيًا نحو الحرية ورفضًا للاحتلال.
أولى خطوات إقامة الدولة الفلسطينية هي ممارسة أقصى الضغوطات على الاحتلال الإسرائيلي لإنهاء سيطرته العسكرية على الأرض والمقدسات وإنهاء المشروع الإستيطاني؛ دون ذلك تبقى البيانات السياسية مجرد بيانات إعلامية جوفاء لا تساوي الحبر الذي كُتبت به.
المساواة في البيان بين الاحتلال الإسرائيلي المجرم وبين المقاومة الفلسطينية التي تدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني هو اصطفاف ضمني ودعم للاحتلال وسرديته الكاذبة للصراع وهنا تعتبر الحيادية جريمة بحق الفلسطينيين الذين يعيشون قهرًا ومعاناة ممتدة منذ سنتين بفِعل الصمت الدولي على جريمة الاحتلال؛ بل والتواطؤ معه في كثير من الأحيان.
تغافل البيان أن إسرائيل هي كيان عسكري محتل تتناقض خطواته على الأرض مع المواثيق الدولية التي كفلت حرية الشعوب؛ وبين مقاومة شعبية ومسلحة تدعم أفعالها العديد من المواثيق الأممية والدولية.
مطالبة البيان المقاومة الفلسطينية في غزة التجرّد من سلاحها قبل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي العسكري؛ وربط نزع السلاح بإنهاء العدوان على غزة هو جريمة إنسانية واصطفاف سياسي إلى جانب حكومة نتنياهو المتطرفة كونه يحقق من خلال ذلك هدفها الرئيس للعدوان؛ كما أنه يوفر تبريرًا للاحتلال لمواصلة جرائمه وعدوانه البشع حتى نزع السلاح الفلسطيني.
إشارة البيان المقاومة الفلسطينية ب "الإرهاب"، وتوقيع بعض الدول العربية وتركيا والسلطة الفلسطينية على ذلك لا يمثل مهاجمة لحركة حماس التي تتصدّر اليوم المشهد الفلسطيني المقاوم للاحتلال؛ بل يمثل تجريمًا لخيار الكفاح المسلح للاحتلال ورموزه الوطنية طيلة قرن مضى من الزمن؛ وهو تجريم للنضال الفلسطيني وتسفيه لتضحيات الشعب الفلسطيني الذي يطالب بالحرية والاستقلال.
مطالبة البيان بإشراف منسق الأمن الأمريكي؛ وبعثة الشرطة الأوروبية؛ وبعثة الاتحاد الأوروبي على أمن وحدود غزة يعني عمليًا استنساخ التجربة الأمنية في الضفة المحتلة؛ وهي تجربة ثبت أنها لا توفر للفلسطيني حياة كريمة؛ بل تدعم المشروع الاستيطاني وتلاحق أي مقاومة فلسطينية للاحتلال سواءً أكانت شعبية سلمية أم مُسلحة.
مطالبة البيان المقاومة الفلسطينية بتسليم سلاحها الفلسطينية دون الإشارة لضرورة المصالحة الفلسطينية وإصلاح منظمة التحرير وإنهاء الانقسام ودمج المؤسسات وإجراء انتخابات حرة ونزيهة يمثل وصفة للاحتراب الفلسطيني الداخلي، ولا ينبغي أن بتم من خلال إقصاء قوى فاعلة ومؤثرة في الشارع الفلسطيني؛ وإنما بإجراءات وخطوات تعزز وحدة الشعب الفلسطيني؛ وتوفر حياة أفضل للأجيال الفلسطينية القادمة.
تغافل البيان عن الاحتياج الحقيقي لغزة اليوم ألا وهو ضرورة إنهاء الإبادة الجماعية والتطهير العرقي؛ وكسر الحصار المتواصل منذ ثماني عشرة سنة؛ وإنهاء المجاعة والمعاناة؛ ورفع اليد الغليظة للاحتلال المجرم عنها -حاليًا ومستقبلًا- وليس تثبيت هيمنته وسيطرته الدائمة عليها.
يبدو أن الموّقعين على البيان لم يفهموا بعد أن الشعب الفلسطيني لن يتخلى عن حقه بحياة كريمة والعيش بِحُرية بعيدًا عن هيمنة وسطوة الإحتلال الصهيوني الذي أثبتت معاناة غزة اليوم إجرامه البشع وافتقاده لأدنى درجات الانسانية.














