جاء انعقاد قمة منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) في مدينة تيانجين الصينية يومي 31 أغسطس و1 سبتمبر 2025، بحضور الصين وروسيا والهند وتركيا وإيران وباكستان في وقت بالغ الحساسية مع استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ أكتوبر 2023، بالتزامن مع تصعيد أمريكي–إسرائيلي ضد إيران في يونيو 2025. وفي ضوء هذه السياقات برزت القمة كمنصة لإعادة تشكيل التوازنات العالمية وطرح سردية بديلة حول مستقبل المنطقة. بينما برز تساؤلات حول قدرة هذه المنظمة، التي تضم قوى رئيسية كالصين وروسيا بجانب قوى إقليمية صاعدة جديدة مثل : الهند، باكستان، على التأثير في معالجة الأزمات الدولية، وعلى رأسها الحرب المستعرة في غزة. القمة تأتي في ظل لحظة سياسية مشبعة بالتحديات؛ حيث يواصل الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، محاولة تعزيز حضوره التقليدي في الشرق الأوسط، بينما تسعى أطراف أخرى إلى فرض نفسها بديلاً قادراً على إحداث تغييرات استراتيجية في ملفات الصراع والأمن الإقليمي. لذلك، الاهتمام بنتائج هذه القمة يتجاوز مجرد متابعة نشاط منظمة دولية؛ فهو يعكس بحثًا عن احتمالات إعادة تشكيل التوازنات السياسية في المنطقة بل في العالم ككل.
بينما (غزة) أصبحت ميداناً مركزياً تتداخل فيه مصالح القوى العالمية، حيث في الوقت الذي تعبر الابادة الجماعية الجارية عن مأساة إنسانية مستمرة، فإنها تُستغل أيضاً من قبل المجتمعين الذين يمثلون 40% من سكان العالم كورقة ضغط في التنافس على النفوذ بين الولايات المتحدة ومنافسيها. واشنطن بدورها تواصل دعمها السياسي والعسكري اللامتناهي لـ "إسرائيل"، بينما يذهب المجتمعون في مدينة تيانجين الصينية لتبنى رؤية مختلفة تجاه هذا الملف من خلال أعضائها.
حيث أنها بتبنيها خطاب يدعو إلى وقف إطلاق النار وإعادة إعمار غزة قد يمنح هذه المنظمة فرصة لتقديم نفسها كجهة فاعلة مسؤولة وأخلاقية في المنطقة، الأمر الذي يُشكل وسيلة ضغط ناعمة في مواجهة الهيمنة الغربية. وبالتالي، قد يعزز ذلك صورة المنظمة كبديل استراتيجي قادر على تقديم حلول غير تقليدية.
أضف إلى ذلك أن الصين وروسيا تسعيان بشكل أكثر دافعية وجدية من جهتهما لتأكيد دورهما كونهما قوتين معنيتين باستقرار الإقليم، وهو استقرار لا يمكن فصله عن مشروعات استراتيجية مثل: "الممرات الاقتصادية العابرة" والطموحات لتعزيز الشراكات مع العالم العربي والإسلامي. وعليه فإن؛ *إدراج قضية غزة بشكل مباشر أو غير مباشر في خطاب القمة،* حتى لو عبر دعوة عامة للتهدئة والحلول العادلة، قد يحمل أبعاداً رمزية وسياسية مهمة. فمن ناحية، يعبر عن لغة تحدي للرواية الأمريكية التي تتجاهل المعاناة الإنسانية، ومن ناحية أخرى يفتح الإمكانية أمام بناء تعاون أوسع مع العواصم العربية الساعية لإيجاد حلفاء استراتيجيين جدد.
وبالتأسيس على ما سبق؛ يرى محللون أنه لا يمكن توقع أن تحقق القمة تأثيراً مباشراً في تغيير معطيات الصراع في غزة، مثل فرض تسوية أو وقف فوري لإطلاق النار. ولكن غالباً ما قد تساهم فيه هو خلق بيئة سياسية تضع القضية الفلسطينية من جديد على طاولة النقاش الدولي. ضمن هذا السياق المرتبط بالتنافس العالمي وإعادة توزيع النفوذ، *هنا تبدو غزة مرشحة للتحول إلى رمز الخطاب الدبلوماسي الذي تستثمره القوى الكبرى لإعادة تشكيل موازين الشرعية والتأثير في النظام العالمي الناشئ.*
وهذا بدوره ما يعزز حضور القضية الفلسطينية في المحافل الدولية ويزيد الضغط على الإدارة الأمريكية ودفعها لوضع دعمها اللامتناهي لـ "اسرائيل" وحربها في المنطقة في بوتقة بحث أعمق يحفظ على الأقل مصالح واشنطن أولاً. وهو ما قد يخفض هوامش المناورة لدى اللاعب الإسرائيلي بلا شك.














