من غيتو وارسو إلى غيتو رفح: مخطط الاحتلال لقتل وتهجير أهل غزة
24 Aug 2025

منذ أكثر من سبعة عقود، لم تهدأ الحرب على الفلسطينيين بأشكالها المختلفة: قتل، حصار، تهجير، وحملات دعائية تشوه الحقائق. 

واليوم، تتجسد هذه الحرب في أبشع صورها في قطاع غزة. فبعد أن دمّر الاحتلال الإسرائيلي ثلاثة أرباع القطاع وسوّى آلاف البيوت بالأرض، يجد سكان غزة أنفسهم محشورين في شريط ضيق على البحر، بلا ماء ولا كهرباء ولا أمان.

لكن المأساة لا تقف هنا، فالمخطط يتسع نحو هدف أخطر: تجميع أهل غزة في بقعة صغيرة، تشبه الغيتو، في رفح، تحت التهديد بالقصف الجماعي والتجويع، وهي سياسة تعكس استدعاءً لتاريخ أسود عاشه العالم في أوروبا قبل ثمانين عامًا.


👈 *غيتو وارسو: ذكرى التاريخ التي لم تتعلم منها إسرائيل*


غيتو وارسو كان رمزًا لمعاناة يهود تحت الاحتلال النازي. 

في تلك المدينة حُشر عشرات الآلاف في منطقة ضيقة، جُوِّعوا وقُتلوا، وتعرضوا لسياسات تهجير وإبادة ممنهجة. 

لم يكن الغيتو مكانًا للسكن، بل مصيدة موت جماعي.

اليوم، المفارقة المؤلمة أن الدولة التي تقوم على مأساة الماضي، تعيد إنتاج أساليب القمع ذاتها ضد شعب آخر. 

بل إن بعض المسؤولين الإسرائيليين يتحدثون علنًا عن نماذج الحرب الشاملة، مستحضرين مشاهد دمار مدينتي *درسدن وبرلين* خلال الحرب العالمية الثانية، في تهديدٍ واضحٍ باستخدام القوة المفرطة لإخضاع غزة.


👈 *غزة اليوم: حصار يتحول إلى مصيدة*


منذ سنوات، يخضع قطاع غزة لحصار خانق. لكن العدوان الأخير وسّع نطاق الكارثة:

- *التدمير الشامل:* قصف أحياء بأكملها وتسويتها بالأرض.

- *النزوح القسري:* دفع مئات الآلاف إلى الجنوب، في ظروف إنسانية كارثية.

- *الضغط العسكري والنفسي:* تهديد السكان بالمجازر الجماعية لإجبارهم على التجمع في رقعة محدودة، أقرب ما تكون إلى معسكر اعتقال مفتوح.


👈 *الدعم الدولي والعربي: شراكة بالصمت أو بالفعل*


ليس الاحتلال وحده في هذا المشهد.. الإدارة الأمريكية، سواءً في عهد ترامب أو غيره، قدمت غطاءً سياسيًا وعسكريًا لهذه السياسات، كما أن بعض الحكومات العربية، بوعي أو بغير وعي، تشارك عبر مواقف صامتة أو بيانات مائعة، لا تتناسب مع حجم الكارثة.

في الوقت ذاته، الإعلام العالمي يظل منحازًا، وأحيانًا مشوهًا؛ فهناك مأجورو الجزيرة الذين يصوِّرون غزة كقوة عظمى تهدد إسرائيل، بينما الحقيقة تقول إن مليوني إنسان محاصرون بين البحر والنار، بلا غذاء ولا دواء ولا مأوى.


👈 *الإعلام والدعاية: صورة مشوهة عن الضحية والجاني*


تلعب بعض المنصات الإعلامية دورًا سلبيًا في تشويه الواقع.. فالاحتلال يصور نفسه ضحية، بينما يعرض أهل غزة كمصدر خطر. 

ويغفلون عن حجم الدمار والتهجير القسري. 

والنتيجة: تضليل مبرمج للرأي العام، وتغطية على الجرائم الحقيقية.


👈 *أين يقف العالم؟*


القانون الدولي واضح: التهجير القسري جريمة حرب، واستهداف المدنيين جريمة ضد الإنسانية. 

ومع ذلك، يمضي الاحتلال بلا رادع، لأنه يعرف أن العالم لن يتجاوز بيانات الشجب. 

وفي هذه البيئة، يصبح التوثيق والمواجهة الإعلامية والسياسية مسؤولية كل من يملك الكلمة والصورة.


👈 *رفح ليست النهاية.. والفيتو القادم أخطر*


ما يجري اليوم في غزة ليس حدثًا معزولًا ولا معركة عابرة، بل خطوة في مشروع أكبر لإعادة رسم الخريطة السكانية والجغرافية بالقوة. 

رفح ليست مجرد مدينة، بل عنوان لمرحلة جديدة يراد لها أن تتحول إلى "غيتو" محاصر، تُكدَّس فيه الأرواح قبل دفعها إلى المجهول. 

وإذا نجح هذا المخطط، فلن تكون رفح آخر المحطات؛ فالمشروع الإسرائيلي يتجاوز غزة ليحلم بترسيخ مفهوم "إسرائيل الكبرى"، حيث التوسع وإعادة تشكيل المنطقة جزء من عقيدته السياسية والأمنية.


لكن الأخطر من القنابل هو الصمت؛ فالفيتو الذي يشهره بعض الكبار في مجلس الأمن اليوم قد يكون غدًا غطاءً لمزيد من الجرائم، وقد يُشرعن للتهجير تحت عنوان "الحلول الإنسانية". 

وحين يصمت العالم، وحين يساوم البعض على دماء غزة، فإننا أمام مشهد يتكرر عبر التاريخ: *"أُكِلْتُ يوم أُكِلَ الثور الأبيض"*. 

من يظن أن المسألة ستنتهي عند حدود غزة مخطئ؛ فكل صمت على الظلم اليوم يعني دعوة مفتوحة للعدوان غدًا على القدس والضفة ومصر والأردن وربما أبعد.


لذلك، لا بد أن يتحرك الفلسطينيون والعرب وأحرار العالم فورًا، بالكلمة والصورة، بالسياسة والضغط، وبكل أشكال المقاومة المشروعة، لمنع اكتمال هذا السيناريو. 

👈 *غزة اليوم تدفع الثمن، لكن الثمن غدًا سيكون على كل من اعتقد أن الغيتو سيُبنى بعيدًا عن بيته.*

المواضيع ذات الصلة
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
الخديعة الكبرى: كيف شرعنّت واشنطن ضم الضفة وخطّت تهجير فلسطين — ترامب مهندس المصيدة
02 Oct 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
المطلوب من قادة العرب في قمة الدوحة
13 Sep 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
الاغتيالات الإسرائيلية قوة متوهَّمة أم إقرار بالضعف البنيوي؟
10 Sep 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
مصر مركز الحسم في الصراع الإقليمي
07 Sep 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
منظمة شنغهاي والتداعيات المحتملة على واقع الحرب في غزة
02 Sep 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
جسراً للعبور لا سلماً للنزول
19 Aug 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
إسرائيل الكبرى": من الأساطير التوراتية إلى خرائط الهيمنة على الجغرافيا العربية
16 Aug 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الإقتصادي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي| المقال القانوني
بين برلين وغزة وفارق المساعدات الجوية
07 Aug 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
حين تُصبح المساعدات سلاحًا ضد الحقيقة قراءة في قرار ترامب وانهيار الرواية الصهيونية في الداخل الأميركي
05 Aug 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
الحربُ الخمسيَّة على غزة وتبادل الأدوار لمَ هذا والمستهدَفُ جائعٌ وأعزل؟!
03 Aug 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
قطاع غزة: بين ازمة المثقف الفلسطيني والعربي
31 Jul 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
ملاحظات حول مؤتمر نيويورك للاعتراف بالدولة الفلسطينية
31 Jul 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الإقتصادي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
‎الولايات المتحدة وتأجيج الصراعات الإثنية والقومية: تكتيك جيوسياسي لكبح الصين وتطويق الخصوم
27 Jul 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
طوفان الأقصى وتجلّيات القرار المصيري: قراءة معرفية في لحظة الحسم الفلسطيني
06 Jul 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
بين لحظة الطوفان واستراتيجية المستقبل: نحو تفكير بعيد عن أسر اللحظة
05 Jul 2025