يحاول بعض ما يسمى "الكُتَّاب والمثقفين والإعلاميين"؛ وبشكل ممنهج ومقصود؛ الانقضاض على التجربة الوطنية الفلسطينية، ونسف التاريخ الوطني الفلسطيني بالكامل، بكل التضحيات الكبيرة والغزيرة والعزيزة التي قُدمت على مدى أكثر من قرن من عمر الصراع؛ خيضت تحت مسميات متعددة: الحركة القومية – الحركة الشيوعية – الحركة الوطنية – الحركة الدينية، منها ما شكل حضورًا جديًا ومنها ما كان عابرًا وإن استمر كيافطة، والتي تحقق في ظلها ما تحقق من فشل ونجاح، مما يستدعي أن تكون أية مراجعة أو محاكمة للحصيلة الوطنية العامة، مستندة إلى معايير موضوعية، انطلاقًا من حاجة وضرورة حيوية إلى قراءة ودراسة هادئة ومتأنية ومراجعة نقدية شاملة، بهدف استخلاص العبر والنتائج لا نسف التجربة والتاريخ بالكامل، خاصة وأن التقييم لا يجب أن يبدأ من النتائج المحققة فحسب، أو أن يغفل وزن الطرف الآخر/العدو في الصراع، ومجمل ترابط وتشابك الحلف المعادي معه غربيًا وعربيًا، كي لا نقع في خطيئة جلد الذات أو محاباتها، وهذا مبتدأ الكلام الواجب، أما تكملته التي لا تقل وجوبًا عن ما سبق؛ هي أن البنى الاستعمارية لا تكتفي بحرب الإبادة والتطهير وضرب الوجود المادي للشعوب/المجتمعات التي تحتلها، أو الخاضعة لهيمنتها، ونهب خيراتها، ومقدراتها وثرواتها، بل تعمل على هندستها، من خلال أنظمتها السياسية وبناها القيادية وبعض كُتَّابها ومثقفيها ومن يلتقون معهم، بما يجعلها تستجيب لمقتضيات مشروعها الاستعماري، من حيث تدري أو لا تدري، وهذه الهندسة، لا يمكن أن تنجح بالتدخل الاستعماري المباشر لوحده، لأنها تجعل المُستعّمَر، في حالة دائمة من الاستنفار والممانعة والمقاومة للمُستعّمِر، لذلك؛ فالأخير بحاجة لأدوات داخلية، تعينه وتساعده في تحقيق مشروعه، هنا يحضر دور الوكلاء الذين يصبحون خبراء، والمقاولين الذين يتحولون من حركات سياسية إلى شركات أمنية، والعملاء الذين يبررون لأنفسهم ويبرؤونها بإدانتهم لواقع الحال المُزري، والتجار الطفيليين الذين عندهم الربح وتراكم رأس المال؛ أقدس وأعظم من الأوطان، والكثير من ما يسمى بالمؤسسات غير الحكومية التي مطلوبٌ منها أن تُنجز بقدر ما تتموّل، وعليه؛ لا غرابة أن يتصدر جزءًا من هؤلاء المُهَنّدَسين المشهد، كما المستويات المتقدمة في صناعة القرار وتزييف وتشويه الواقع وتمويه العدو ودوره وأهدافه، والخلط بين الوطني وغير الوطني، النقي وغير النقي، الشريف وغير الشريف، الصحيح وغير الصحيح، الصادق وغير الصادق، وصعوبة التفريق بينهما.. بحيث تستمر وتتسع دائرة التشويش والفوضى وفقدان المعايير واختلال التوازن، على طريق التآكل الذاتي المُستمر للبديهات والمسلّمات والحقائق والثوابت؛ مترافقة مع سلب وتآكل الإنسان: حقوقًا، وحضورًا، ووعيًا، ودورًا، وصولًا إلى افقاده الأمل بالقدرة على المواجهة والصمود وتحقيق الأهداف الوطنية التحررية، وهنا بالذات؛ يجب أن نستلُ بكل جرأة وشجاعة ووضوح: سلاح الفعل المقاوم، من الكلمة إلى الرصاصة؛ أكثر من أية مرحلة أخرى، وهنا فهمي لدور المثقف الوطني الملتزم، بقضية شعبه التحررية ومعاركه الوطنية المصيرية، في حفظ وعي شعبه لا تهشيمه، والوقوف على ركائزه لا تكسيرها، والحرص على ذاكرته الجماعية لا تشويهها، وفصل الغث عن الثمين لا خلطهما، وتوجيه الوعي العام لالتقاط الجوهري والتمسك به، والوقوف على الأخطاء والخطايا ونقدها، دون تهاون أو وجل أو تخاذل.. فما بالنا ونحن يُخاض ضدنا حرب إبادة شاملة: تطال الإنسان والوطن والثقافة والسياسة وصولًا إلى حفنة الطحين وشربة الماء والهواء النقي.. حيث تتضاعف مسؤولية أي كلمة وأي فعل آلاف المرات؟!!
بتكثيف شديد: هناك من اختار أن يقف في المكان الأسرع للسقوط الذي لا وقوف بعده؛ فالبدايات الأصيلة لا تُختم إلا بنهايات أصيلة، ومعركتنا طويلة ومستمرة؛ سيسقط من يسقط، وسيستمر من يستمر، ولن يبقى في التاريخ ومعه، إلا من يحفظ للتاريخ والحقيقة حقهما.














