طوفان الأقصى وتجلّيات القرار المصيري: قراءة معرفية في لحظة الحسم الفلسطيني
06 Jul 2025

الملخص:


يتناول هذا المقال قرار طوفان الأقصى من منظور معرفي–نفسي بوصفه نموذجًا لقرار مصيري وجودي اتخذته المقاومة الفلسطينية في لحظة تاريخية فارقة ويعيد المقال بناء أطر الفهم للكيفية التي تم بها إنتاج القرار الفلسطيني المقاوم في ظل تهديدات وجودية، وتوازنات مضطربة، وسياقات عربية ودولية خانقة ويرى المقال أن طوفان الأقصى جسّد لحظة من لحظات التاريخ الكثيف الذي يعيد تعريف الهوية، ويختبر حدود الضمير الجمعي في مواجهة مشاريع الإلغاء والاستتباع.


*القرار المصيري كآلية نضج جماعي*


تُعرّف القرارات المصيرية بوصفها تلك اللحظات التي يتقاطع فيها الوعي بالمسؤولية مع الشعور بالتهديد، ويُستدعى فيها سؤال الهوية بوصفه سؤالًا أخلاقيًا–وجوديًا ومن هنا، فإن قرار طوفان الأقصى لا يمكن فهمه فقط من زاوية التوقيت السياسي أو الضرورة الميدانية، بل باعتباره لحظة نضج داخلي عميق للمقاومة، وتعبيرًا عن تحول نوعي في بنية التفكير الفلسطيني الجمعي، وإعلانًا ميدانيًا عن الانفصال الواعي عن منطق “التحكم الخارجي” الذي ساد الإقليم عقودًا.


أولًا: طوفان الأقصى بوصفه لحظة وجودية حاسمة


إن القرار المصيري لا يُبنى على معطيات آنية فقط، بل ينبثق من تصادم بين سؤالَي: من نكون؟ و ماذا نريد أن نكون؟. وقد جاء طوفان الأقصى في لحظة تاريخية تجمعت فيها كل عناصر التهديد الوجودي للقضية الفلسطينية:

• مشاريع تهويد القدس والتقسيم الزماني والمكاني للأقصى.

• استقرار نظام إقليمي تطبيعي مع الاحتلال.

• تفكيك الذاكرة الجماعية الفلسطينية، وتجريف رموزها.

• تكريس خطاب الهزيمة كحالة إدراكية عامة.


جعل ذلك القرار ضرورة وجودية أكثر من كونه خيارًا ميدانيًا، وبهذا فإن الطوفان يُعبّر – في بنيته العميقة – عن التقاء الإدراك المعرفي مع الشعور الأخلاقي بضرورة الانبعاث.


ثانيًا: المحددات المعرفية للقرار الفلسطيني المقاوم


تشكل لحظة القرار المصيري لحظة يتقاطع فيها الزمن المضغوط مع الإدراك الحاد، وتتشكل من عدد من المحددات، أبرزها:


1. السياق الزمني الضاغط:


بُني القرار على وعي بأن الزمن يُختطف من القضية الفلسطينية، وأن الانتظار لم يعد تكتيكًا بل مدخلًا للمحو التدريجي.


2. الوعي الذاتي المرتفع:


عكست لحظة القرار مستوى مرتفعًا من الإدراك بالذات التاريخية، والهوية التحررية، وبالدور الأخلاقي للمقاومة في كسر منطق الاستسلام الإقليمي.


3. الخبرة التراكمية للمقاومة:


ما ميز القرار أنه لم يكن طفرة في الفعل، بل ثمرة لسجل طويل من التعلم، والتأمل، والفعل الواعي، وهو ما يمنح القرار عمقًا غير مرئي في لحظة التنفيذ.


ثالثًا: آليات التفكير في لحظة الطوفان


يمتلك صانع القرار المصيري آليات عقلية وانفعالية متشابكة، تشتغل جميعها لحظة الحسم. وقد تجلّت أبرزها في قرار الطوفان:

• التمثّل الداخلي للمستقبل: لم يكن القرار مجرد استجابة لحدث موضعي، بل تعبير عن رؤية استراتيجية تسعى لتفكيك توازنات الهيمنة، وكسر “بنية السيطرة” الصهيونية–الإقليمية.

• المفاضلة الأخلاقية: كانت الخيارات المطروحة جميعها مكلفة، لكن المفاضلة تمت لصالح الكرامة والتاريخ، لا لصالح التكتيك أو السلامة الذاتية، في لحظة غاب فيها أي أفق دولي أو عربي للحماية.

• إدارة التوتر الداخلي: دلّ القرار على قدرة غير اعتيادية على تحمل القلق، وتثبيت العزيمة، وتحويل الضغط الوجودي إلى مبادرة فاعلة، لا إلى تآكل داخلي.

رابعًا: القرار المصيري والهوية الأخلاقية الفلسطينية


القرارات المصيرية الحقيقية تُختبر حين يكون الضمير هو الحَكم الوحيد، والمستقبل هو الشاهد. وفي هذا الإطار، مثّل طوفان الأقصى إعلانًا أخلاقيًا صارمًا عن رفض الانخراط في سياسة الترويض، وعن عودة المقاومة إلى مركز الفعل بوصفها تمثيلًا للضمير الجمعي الفلسطيني.


لقد أبرز القرار فاصلًا أخلاقيًا بين مشروعين:

• مشروع ينتمي إلى الكرامة، والمقاومة، والانعتاق.

• ومشروع يقبل بالتحلل، والتمويل، والتواطؤ.


وبهذا، لم يكن القرار فقط “استراتيجية عسكرية”، بل “تجليًا أخلاقيًا” يعيد تعريف من هو الفلسطيني، وما الذي لم يعد يقبل التنازل عنه.


خامسًا: طوفان الأقصى ومخاطر الإبادة الرمزية والمعرفية


لم يأتِ الطوفان كرد على عدوان مادي فقط، بل كموقف من منظومة إبادة معرفية تستهدف الفلسطيني في صورة ذاته، وفي تمثلاته لنفسه كشعب مقاوم ولقد كان العقل الصهيوني يعمل لعقود على نزع صورة “الفاعل” من الفلسطيني، وتحويله إلى “كائن إداري” أو “موضوع إنساني”، وجاء الطوفان ليعيد كتابة المعادلة: أنا أقرر مصيري، ولا أستعير حياتي من أحد.


خاتمة

القرار المصيري كمرآة للهوية والتحول التاريخي


جاء طوفان الأقصى كتجسيد حيّ للقرار المصيري في أعلى تجلياته:

قرار لا ينتج فقط من الحاجة إلى الرد، بل من وعي عميق بالهوية، ومن شعور بالمسؤولية الأخلاقية أمام التاريخ، ومن إرادة رفض الفناء المعنوي.


وفي لحظة بدا فيها كل شيء محسومًا لصالح الخصم، أعلن الفلسطيني – عبر مقاومته – أنه ما زال يمتلك القدرة على الإدهاش، وعلى إعادة صياغة الشروط من تحت الأنقاض.

المواضيع ذات الصلة
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
الخديعة الكبرى: كيف شرعنّت واشنطن ضم الضفة وخطّت تهجير فلسطين — ترامب مهندس المصيدة
02 Oct 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
المطلوب من قادة العرب في قمة الدوحة
13 Sep 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
الاغتيالات الإسرائيلية قوة متوهَّمة أم إقرار بالضعف البنيوي؟
10 Sep 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
مصر مركز الحسم في الصراع الإقليمي
07 Sep 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
منظمة شنغهاي والتداعيات المحتملة على واقع الحرب في غزة
02 Sep 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
من غيتو وارسو إلى غيتو رفح: مخطط الاحتلال لقتل وتهجير أهل غزة
24 Aug 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
جسراً للعبور لا سلماً للنزول
19 Aug 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
إسرائيل الكبرى": من الأساطير التوراتية إلى خرائط الهيمنة على الجغرافيا العربية
16 Aug 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الإقتصادي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي| المقال القانوني
بين برلين وغزة وفارق المساعدات الجوية
07 Aug 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
حين تُصبح المساعدات سلاحًا ضد الحقيقة قراءة في قرار ترامب وانهيار الرواية الصهيونية في الداخل الأميركي
05 Aug 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
الحربُ الخمسيَّة على غزة وتبادل الأدوار لمَ هذا والمستهدَفُ جائعٌ وأعزل؟!
03 Aug 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
قطاع غزة: بين ازمة المثقف الفلسطيني والعربي
31 Jul 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
ملاحظات حول مؤتمر نيويورك للاعتراف بالدولة الفلسطينية
31 Jul 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الإقتصادي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
‎الولايات المتحدة وتأجيج الصراعات الإثنية والقومية: تكتيك جيوسياسي لكبح الصين وتطويق الخصوم
27 Jul 2025
director
المقال الاجتماعي النفسي| المقال السياسي| المقال الأمني والعسكري| المقال الثقافي والاعلامي
بين لحظة الطوفان واستراتيجية المستقبل: نحو تفكير بعيد عن أسر اللحظة
05 Jul 2025